كتب نزار قباني قبل أكثر من ثلاثين عاما قصيدته الشهيرة متي يعلنون وفاة العرب، كان ينعيهم بانكسار، وبعد أن اشتعل رأسي شيبا وارتسمت ملامح العمر على ذلك الوجه المغّرب والمشّرد، أدركت أنني ميت، وتساءلت نفس السوال "متي يعلنون وفاة العرب؟"، متي تستريح تلك الجثث المنهكة بتاريخ متهالك وعيون مثقوبة وأكتاف محملة بكل هزائم الأرض فتدفن تلك الدفنة الكريمة التي استحقها جسم هابيل؟ وماذا لو اختفينا من على هذه الأرض؟ ما الذي سيتغير عدا أن الدماء التي أريقت ستقل وسيخبو دخان الدمار الذي لفنا ونحن نقتل بعضنا البعض؟
لن تزدحم شاشات العالم بجهلنا ومرضنا وقلة حيلتنا، لن نزعج العالم بصرعاتنا الغبية وعنجهيتنا المقيتة، سيعيش العالم ليستمتع بما تبقى من إنسانيته ويروي حكايه العرب على مسارحه كما تروي تراجيديا شكسبير، سيبكينا العالم قليلا كما بيكي على الباندا وفيلة إفريقيا التي قتلها الطامعون في أنيابها بحثا عن الثروة.
سيهدأ العالم ولن يجتمع مجلس الأمن إلا ليحتفل بالعام الجديد الخالي من العرب، وستعلوا أصوات الموسيقي بدلا من دبيب القصف وزمجرة الدبابات، وسيعود الأطفال كما كانوا ملائكة الأرض وليسوا ذبائح المعبد.
سأموت وأنا أبتسم على بلاهتي وغبائي وأنا أنتظر النصر الوهمي والمجد الذي لن يأتي، سيختفي الڤيتو المخترع لنا وسيمنحنا العالم وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، لأننا نفذنا كل اتفقاتنا التي أبرمناها معهم علينا، ستنكس الأعلام التي خبئت عين الشمس وسترتاح أيدينا من التصفيق والتهليل لكل أفاق جاء يسوقنا لحتفنا، باسم كل نبيل سنغمض أعيننا لأول مرة بإرادتنا الحرة المستقلة، سنقفلها ليس خوفا من الليل الآتي بالموت والفقدان، وإنما لأننا أردنا ذلك، ستصم آذاننا طوعا مع سكوننا الأخير فلا نسمع صرخات القهر وحسرات المرارة ولوعة الفراق.
سنموت جميعا متساون فالقبور كلها تتشابه والموت عادل.
سيرتاح العرب وسيرتاح العالم.
.............................
معتز أبو يوسف
مواطن عربي ميت مع وقف التنفيذ