تساءلنا جميعاً عندما سمعنا الجميلة نجاة ذات الصوت الساحر تشدو بكلمات عبدالرحمن الأبنودى وألحان محمد الموجى برائعتهم، التى اشتركوا ثلاثتهم فى تحويلها لقصة للعشاق (عيون القلب) عما إذا كان للقلب عيون؟ وها أنا أحبائى أبحث لكم عن إجابة صحيحة موثقة ومعها أدلة وبراهين لأؤكد لكم أن للقلب عيوناً، وإذا بدأنا من أولى درجات سلم البحث أقول إن أول عين للقلب هى عين الأم التى ترى وليدها وتشعر به وهو يصول ويجول داخل رحمها ومع كل حركة له منذ بدايات تكوينه يزداد مقدار محبتها ومعزتها له ليصل لقمة تلك المشاعر يوم يخرج للدنيا ويصبح أول واقع اشتركت خلاياها وأنسجتها ودماؤها وعظامها فى تكوينه، ويظل حتى آخر لحظة لها فى تلك الحياة تحت عيون قلبها تراه قبل أى إنسان وتشعر بأفراحه وأحزانه وآلامه ربما قبله هو نفسه بعيون القلب.
وبعيداً عن الرومانسية وكلمات الحب فإن أساتذة وعلماء الطب يقولون إن معدلات ضربات القلب الطبيعى تتراوح للإنسان البالغ بين ٦٠ و١٠٠ ضربة فى الدقيقة، فى حالة الراحة، وفى اليوم الواحد ١٠٠٫٠٠٠ نبضة، أى ما يعادل أربعين مليون نبضة خلال السنة الواحدة، ويقوم القلب بهذه العملية بشكل لا إرادى وبصورة منتظمة دون توقف طيلة حياة الإنسان حتى أثناء النوم، ومن أجمل وأطرف الإحصائيات التى كتبت عن القلب أنه خلال ٧٠ عاماً ينبض القلب ٢٫٥ مليار مرة، بالرغم أن خلايا القلب لا تتجدد مهما بلغت سن الإنسان وبالرغم من وظائف القلب الكثيرة.
ويقول (د. ريتشارد كراسوسكى) مدير وحدة أمراض القلب الخلقية بعيادة كليفلاند، إن القلب الذى يدق ١٠٠٫٠٠٠ دقة يومياً يقوم بإرسال ٧٫٥٧٠ لتر من الدم إلى جميع أجزاء الجسم، ويؤدى هذا العمل على الرغم من حجمه الذى يماثل قبضة اليد، ويمر الدم الذى يقوم القلب بضخه عبر ٩٦٫٥٦٠ كيلومتراً من الأوعية الدموية عبر الجسم التى تغذى أجهزته وأغشيته، كما أن عضلة القلب هى أكثر عضلات الإنسان عملاً بالرغم من حجمها، ومن عجائب الجسد الإنسانى أن القرنية هى الجزء الوحيد الذى لا يصل إليه الدم فهى ليست فى حاجة إليه بالمرة.
ويؤكد الأطباء أن هناك فارقاً بين قلب الرجل والمرأة بشكل طفيف، فقلب الرجل يزن نحو ٢٨٥ جراماً بينما يزن قلب المرأة ٢٢٥ جراماً، ويعتبر قلب الحوت الأزرق أكبر قلب بين المخلوقات، حيث يصل وزنه إلى أكثر من ١٥٠٠ كيلو، ولا يقتصر الفرق بين الرجل والمرأة على حجم القلب فقط بل إن هناك فرقاً بينهما فى أعراض الإصابة بالأزمات القلبية، فهى عند الرجل آلام فى الكتف والصدر، أما المرأة فتشعر بالغثيان وعسر الهضم وتحدث الوفيات بين الرجال أكثر من الإناث بسبب تلك الأزمات.
وعادة فإن قلب الإنسان لا يتكون بصورته النهائية الموجودة فى جسد الإنسان بل يتطور كباقى الأعضاء لدى الجنين، الذى يحصل على الأكسجين والغذاء من أمه، ولذلك يكون عمل القلب وتطوره والدورة الدموية بشكل عام لدى الجنين معقدة أكثر من الإنسان البالغ، ففى البداية يبدأ القلب بالتشكل على شكل أنبوب، وهو ما يمكن تشبيهه بقلب السمكة، وبعدها يبدأ بالنمو، ولكن نتيجة لضيق المساحة فإن القلب يلتوى ويصبح حجرتين، ويبدأ بأخذ شكل القلب ثم ينمو أكثر وينقسم لثلاث حجرات ثم أربع، وهى البطينان والأذنان ويستقر فى صدر صاحبه بإزاحة قليلة لليسار.
ومن أجمل ما كتب عن القلب وعيونه أن الحالة العاطفية للشخص تؤثر على معدل ضربات القلب وتزيد كذلك من مستوى إفراز هرمون الإينفرين والنوراينفرين وهرمونات الغدة الدرقية، وهو ما يؤكد حقيقة ما يقوله المحب بأن ضربات قلبه تضطرب وتزيد عند رؤيته المحبوب، ويؤكد صحة المقولة التى أعجبتنى عندما قالت إحدى النساء محدثة الحبيب (إن تأثيرك على مشاعرى جامح فقد تعدى جميع الحواجز وخالف الأعراف وقوانين الطبيعة البيولوجية والكيميائية).
ومن المعروف أنه يمكن التعرض لصدمة قلبية مؤقتة نتيجة التعرض لصدمة عاطفية، حيث يقوم الجسم بإرسال هرمونات الإجهاد فى الدم، ما يؤدى إلى الاشتباه بالإصابة بأعراض النوبة القلبية، وبالرغم من هذا فإنه إلى الآن لم يصل العلماء إلى أى مدى ارتباط الحب بالقلب، بل ويؤكدون أن المخ هو الذى يعطى إشارات الإعجاب بالمحبوب للقلب.
وبالرغم من كل هذه الحقائق التى تؤكد رقة هذا الجزء من الجسد البشرى فإن المعلومات تقول إن القلب يمتلك طاقة تكفى للقيادة للقمر والعودة منه، كما أنه يولد طاقة تكفى لقيادة شاحنة لمسافة ٢٠ ميلاً يومياً، كما أن القلب يستطيع أن ينبض بعد فصله عن باقى الجسم وذلك لامتلاكه موجات كهربائية تقدر على ذلك.
وبطبيعة الحال حصل القلب على مكانة خاصة لدى الشعراء والكتاب والفلاسفة، كما ذكر كثيراً فى الأمثال الشعبية، فيقول المثل الإنجليزى القديم (كتاب القلب يقرأ فى العيون) أما فى بولندا فيقولون (القلب المملوء حزناً كالكأس الطافئة يصعب حملها) وفى إيطاليا (فرح القلب يجعل الوجه جميلاً) أما الأتراك (القلب طفل يتمنى ما يشتهيه) والهند (قلب فى فرح مصفاة تجمع ذهباً) وألمانيا (الدمعة فى العين جرح فى القلب).
أما شعراؤنا وفلاسفتنا فقد قالوا عنه الكثير، فعند ابن القيم (القلوب آنية الله فى أرضه فأحبها إليه أنقاها وأصلبها وأصفاها) وعند محمود درويش (إذا قسا القلب قحطت العين) أما جبران خليل جبران فكتب أجمل ما قيل عن القلب (ما أنبل القلب الحزين الذى لا يمنعه حزنه عن أن ينشد أغنية مع القلوب الفرحة).
وبطبيعة الحال ذكرت القلوب فى الكتب السماوية، وقال عنها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى صحيح البخارى (إلا أن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)، وقد ذُكرت كلمة القلب فى القرآن فى عشرات الآيات، فى سورة البقرة الآية ٢٨٣ «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ»، وفى سورة الكهف الآية ٢٨ «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا».
وفى الكتاب المقدس يعتبر القلب من أكثر الكلمات المستخدمة، حيث ذكرت ٨٧٦ مرة، ففى إنجيل متى ١٢، ٣٣، ٣٥ قال يسوع المسيح (لأن من الثمر تعرف الشجرة فإنه من فضله القلب يتكلم الفم، الإنسان الصالح من الكنز الصالح فى القلب يخرج الصالحات)، وفى إنجبل أرميا (وتطلبوننى فتجدونى إذ تطلبوننى بكل قلبكم).
وفى النهاية أسعد الله قلوبكم أحبتى وجعلكم من أصحاب القلوب اللينة التى أحبها الله ورسوله.