كان عنوان «المشهد الأخير» لعام 2017 هو «عم صلاح».. إنسان مصرى «بسيط»، يدرك بفطرته السوية أن الكنيسة «بيت من بيوت الله»، لم ينسَ سنوات خدمته فى القوات المسلحة، فقد تدرب على السلاح حين كان مجنداً فى سلاح المهندسين، بداخله «مقاتل يقظ» يعرف أن مصر مهددة من «دول عظمى» تسعى لإسقاطها وإفشال نظامها لتعم الفوضى فى المنطقة.
حين سقط الإرهابى «إبراهيم إسماعيل» على الأرض مصاباً برصاصة فى ساقه، أمام كنيسة «مارمينا»، لم يفكر «عم صلاح» فى أن الإرهابى قد يكون مرتدياً حزاماً ناسفاً أو يحمل بندقية، لم يفكر فى حياته ولم يتردد وجرى ببسالة وجسارة وهو «أعزل» وهجم على الإرهابى وتمكن منه حتى لا يفر.. فإذا بأهالى المنطقة يهرولون إليه بنفس الشجاعة للتصدى «لا للفرجة»!
قبل عدة دقائق كان الإرهابى (وهو من الذئاب المنفردة) يسير فى الشوارع الهادئة يطلق الرصاص عشوائياً فى الهواء مهدداً كل من يقترب منه.. بينما يعقد «قداس الصباح» فى كنيسة «مارمينا»، ويتهيأ مسجد «الدسوقى» لاستقبال المصلين.. المكان نفسه لو قرر أشهر سيناريست أن يكتبه لتساءل المصريون: (كيف يكون المسجد مواجهاً للكنيسة؟).. فى منطقة بحلوان التى تسكنها بعض الخلايا الإخوانية النائمة؟
إنه مكان «طبيعى» يتعايش فيه المسيحى مع المسلم فى سلام ومحبة، لا يعترفون بأن كل ديانة يفترض أن تتقوقع داخل «جيتو» مغلق عليها.. وطبيعى أن يسكن «يونس مصطفى الموجى» الملقب بعم صلاح، 53 سنة، على بعد عدة أمتار من الكنيسة بأحد المساكن الشعبية.. وطبيعى أيضاً أن يتعامل بإنسانية وحرفية مع الموقف: (لما جريت على الإرهابى مفكرتش هو عاوز يموّت مسلم ولا مسيحى، أنا فاهم كويس ديننا اللى دعانا للحب والتسامح والمودة).
أمسك «عم صلاح» بالإرهابى وأسقطه أرضاً، وأخذ منه السلاح على الفور وضربه على رأسه وأخرج خزينة الرصاص منه.
ثوانٍ قليلة كانت كفيلة بإسقاط المزيد من الشهداء، كانت الشرطة تحمى الكنيسة، والعميد «أشرف عبدالعزيز»، مأمور قسم حلوان وقوات الشرطة، أغلقوا الكنيسة وبدأوا فى تبادل إطلاق النيران مع الإرهابى.. وهذا ما نعتبره «العادى والمألوف» إنه دورهم وواجبهم.. رغم سقوط الشهداء والضحايا منهم كل يوم!
ما لم يكن مألوفاً أن يسارع الشيخ «طه رفعت»، إمام مسجد الدسوقى، إلى الميكروفون، وبدلاً من أن يقيم شعائر صلاة الجمعة يصرخ ملهوفاً: (الحقوا يا أهل المنطقة.. إرهابيين دخلوا الكنيسة).. ويلبى الجميع النداء فى أروع ملحمة وطنية يمكن أن تتم دون ترتيب أو إعداد. هل إمام المسجد الدسوقى «شيخ استثنائى»؟.. لم يتلوث عقله بتكفير الأقباط، وعدم تهنئتهم بالأعياد، ومعاملة الزوجة المسيحية كالمغتصبة؟.. أم أنه «شيخ مستنير»؟.. أم أنه «إنسان عادى» يعرف دينه جيداً ولا يتأثر بالفتاوى الشاذة المغرضة التى تسعى لهدم الوطن؟
أنا شخصياً أراه «إنساناً عادياً»، ما فعله هو «الواجب» فى إطار الممكن والمتاح، دفاعاً عن وطنه وعن إحدى دور العبادة لدين يفرض عليه إسلامه أن يؤمن به وبنبيه وبمعجزاته.
كنت أتحدث هاتفياً -يوم حادث كنيسة مارمينا- مع النائبة «منى منير» عضو مجلس النواب، وأخبرتنى بقيامها بتنظيم حملة باسم «لا للإدمان.. أنت أقوى» بين طلبة المدارس بالجيزة، لأن الإدمان هو المدخل لكل الشرور، وقالت لى إن إحدى المدرسات سألتها: (هل تريدين أن نربى شعباً أمنجياً؟).. والحقيقة أن الشعب فى الملحمة البطولية بحلوان دفاعاً عن الكنيسة أثبت أن حسه الأمنى مرتفع للغاية.. لقد وثَّق المواطنون كل لحظة بالصوت والصورة بكاميرات الفيديو.. وهى مهمة لو أرادت الدولة توفيرها لأنفقت ملايين أو مليارات الجنيهات!
وكان الشعب هو «البطل الحقيقى» فى وقف نزيف الدماء على أسوار كنيسة «مارمينا».. نعم نريد شعباً أمنجياً يمتلك من الوعى ما يجعله يتصدى لأى محاولة إرهابية، ويتنبه لأى نشاط غير معتاد فى منطقته، شعب لا يقف عاجزاً مكتوف الأيدى وهو يرى بيوت الله تتهدم والرصاص يحصد الأرواح البريئة.. بل يبادر ويتحرك ويساعد الأجهزة الأمنية فى مهمتها.
شعب «يصلى ويحارب»، فالمعركة ليست دفاعاً عن مسجد أو كنيسة.. إنها معركة دفاع عن وطن.. نريد أئمة يدركون أن إسلامهم يفرض عليهم حماية الأرواح البريئة، إيماناً بالآية الكريمة: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).
لقد تغير المشهد فى نهاية عام 2017.. لنبدأ يوميات جديدة تختلف فيها ملامح وأداء المواطن.. ليصبح أكثر إيجابية.. حتى فى مواجهة الرصاص.
كل عام وأنتم أكثر وعياً.