ودعنا عاماً متخماً بالأزمات إرهاباً وقتلاً وتدميراً وشجوناً، ثقيلاً بالأعباء والصراعات اختتمه ترامب بقراره الأكثر فجاجة، كاشفاً عن عجز العرب وخلافاتهم حين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فيما استهلت إسرائيل العام الجديد بقرار «حزب الليكود» الحاكم فرض السيادة على المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وضمها إلى الدولة العبرية، بما يعنى إعادة احتلال الضفة الغربية، وتنصلاً مباشراً من الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية وفى مقدمتها اتفاق أوسلو، وأطاحت بشكل متعمد واستفزازى بجميع الاتفاقيات بما فيها تلك التى رعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وحقيقة الأمر أن الموقف الأمريكى الراهن من الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى مثل دعماً قوياً لإسرائيل وضوءاً أخضر لليمين العنصرى الحاكم لمواصلة تدمير حل الدولتين.
قرار الحزب الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو بإنهاء عام 2017 بوضع استراتيجية سياسية لعام 2018 تقضى بإنهاء الوجود الفلسطينى وحقوقه غير القابلة للتصرف لفرض مشروع إسرائيل الكبرى على فلسطين التاريخية، بما فى ذلك تصويت الكنيست على تعديل المادة الثانية من القانون الأساسى حول القدس، وهو بمثابة عدوان غاشم على الشعب الفلسطينى وأرضه ومقدساته، استمد قوته من الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل التى أصبحت فى أحسن حالاتها فى ظل انشغال الدول العربية بصراعاتها وأزماتها التى أدخلتها فى حالة من الوهن والترهل لم يسبق لها مثيل، وقد رأينا كيف مر قرار ترامب القاضى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وكنا نتوقع زلزلة الأرض من تحت قدميه، وهو ما لم يحدث فإسرائيل وأمريكا تعلمان جيداً كيف ومتى تختاران التوقيت؟! ولعل التقرير الاستخبارى العسكرى الإسرائيلى لعام 2018 يشير مطولاً إلى مدى الضعف الذى أصاب الجسد العربى، فكان من ضمن ما أشار إليه أنه لا توجد أية جهة فى المنطقة تعتزم المبادرة إلى حرب مع إسرائيل، فلا سوريا ولا حزب الله ولا حماس لهم مصالح فى الحرب وكل لأسبابه الخاصة، سوريا وحزب الله مشغولتان بإعادة البناء بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية، وحركة حماس تعطى الأولوية للمصالحة وما يرتبط بذلك من تخفيف نتائج الحصار!
ويضيف التقرير «هذا يعنى أنه يجب على إسرائيل أن تختار بعناية أكبر الأهداف التى ستعمل ضدها فى السنة المقبلة، وفى حالة التدهور يجب عليها اتخاذ إجراءات من شأنها أن تمنع كسر القواعد التى تؤدى إلى الحرب، كما تعلق الاستخبارات العسكرية أهمية كبيرة على القيادة والإعلام الإسرائيلييْن اللذيْن ستؤثر طرق التعبير فيهما تأثيراً مباشراً».
يتميز عام 2018 باعتباره «العام الذى تلا الأحداث العاصفة»، حيث خلاله ستتم إعادة تشكيل الاتجاهات الرئيسية فى المنطقة، فهو العام الذى يأتى بعد انتهاء الحرب الأهلية فى سوريا، بما تركته من نتائج ستؤثر على جاهزية نظام الأسد وعلى حزب الله، وهو العام الذى يأتى بعد هزيمة «داعش» واحتمالات صعوده فى مناطق أخرى أو صعود جهة متطرفة أخرى، وهو عام ربما ما بعد عباس وحتى لو نجح فى البقاء خلاله فإنه سيشهد وضوحاً أكبر فى الصراع على وراثة السلطة الفلسطينية، وهو العام الذى تلا خطاب ترامب عن الاتفاق النووى الإيرانى، باختصار هى سنة حُبلى بتداعيات أحداث العام المنصرم سنتذوق مرارتها!.