أيام قليلة ونحتفل معاً أو بالأحرى نؤبن ونذكر مناقب دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى، ثلاث سنوات كاملة تامة مرت على هذه الدعوة التى قوبلت بمقاومة عنيفة وإن كانت كامنة، ورفض رهيب وإن كان ساكناً، لكن السكون والسكوت على ما نحن فيه من غمامة دينية وضبابية ثقافية هو عين المطلوب من قبل جموع الرافضين وجحافل المقاومين، كانت دعوة جريئة أهدرها المنوطون بتبنيها، وأجهضها المحاولون لركوبها، وبقيت الجهالة الدينية والغمامة الثقافية تتحكم فى المصريين وتترعرع فى ربوع البلاد.
البلاد التى كانت قبل عقود قليلة مضت رائدة التنوير وقائدة التثقيف غارقة حتى الثمالة فى غياهب فتاوى الهزل ودهاليز آراء مدعى الدين حول نكاح الطفلة ومضاجعة الميتة وسبى إماء صاحبات الديانات الأخرى، وهذا الغرق طال الذى طال الملايين سلبهم الحس الجمالى وسبغ عليهم اعتياد القبح وهضم المسخ والتعلق بتلابيب النصب والاحتيال طالما يرتدى جلباباً يبدو دينياً أو يتبنى خطاباً يٌصور وكأنه حريات وحقوق وأشياء من هذا القبيل.
ومن قبيل دخول القرن الـ21 بخطى مهزوزة وأفكار ملتبسة مغلوطة كاد النقاش يتحول عراكاً حين أوقف أحدهم سيارته ونزل يؤنب «أخاً مؤمناً» قرر أن يلطع عبارة «صلى على النبى» باللون الفوسفورى على أحد أعمدة كوبرى جديد يجرى تشييده على طريق السويس، العجيب والغريب والفريد والمريب أن الرجل المتضرر من شكل اللطعة ومكانها على أحد الممتلكات العامة وجد نفسه محاصراً باتهامات «وهل تكره الصلاة على النبى؟» «وما الذى يضيرك فى الصلاة على النبى؟» و«يعنى لو كان كتب عبارات خارجة كان يكون أحسن؟»، وهو ما دفعه إلى العودة إلى سيارته والانصراف إلى حال سبيله.
السبيل الذى سيقود مصر إما إلى مزيد من العته الدينى والهسهس التديينى أو إلى يقظة فكرية وعودة ثقافية إلى التفرقة بين الدين كعامل من عوامل التقدم والازدهار بالإبقاء عليه فى حيزه أو التديين كعامل من عوامل تخدير الشعوب والإبقاء عليها فى حيز النفاق وهستيريا النكاح والحلال والحرام هو سبيل التجديد والتنقيح، وما دام التجديد والتنقيح لن يأتيا من حيث كان متوقعاً لهما، فحرى بالمصريين الراغبين فى إنقاذ بلدهم أن يجددوا الخطاب الثقافى والتعليمى وكذلك القانونى.
قانوناً هل يجوز أن يقود سيارة شخص ملثم؟ وإذا كان الزجاج المسود «فيميه» ممنوعاً، فكيف يكون السائق نفسه مسوداً؟ وهل يجوز أن تكون المعلمة ملثمة؟ أو الممرضة ملثمة؟ وإذا كان النقاب حرية شخصية، فليكن، شرط ألا تقود سيارة أو تعمل فى مهنة تتطلب التواصل والاتصال، ودعنا من هراء السفسطة بأن الوجه الآخر لمنع النقاب فى هذه المجالات هو العرى والبيكينى والملابس الفاضحة لأنه هطل لا يساوى بصلة، ومع الاحتفال بالذكرى الثالثة لدعوة الرئيس المجهضة لتجديد الخطاب وإنقاذ البلاد وتنوير العباد تبدو ملامح إيجابية وتتبدى بوادر تنويرية فى نقاشات البعض الحوارية، ولا أعنى نقاشات الشاشات بأى حال من الأحوال، بل المعنى هنا هو أناس عاديون باتوا قادرين على نبذ بعض من الهسهس وتبنى قليل من إعمال العقل، الأمل المتبقى ليس فى الأزهر أو فى وزارة الثقافة بل فى المصريين العاديين النباذين لهسهس التديين.
إلطع صلى على النبى