كلنا كنا عارفين أن رمضان سوف يحل علينا فجر الجمعة، علمنا بذلك قبل ما يقرب من الشهر، ومع ذلك تجد أننا كـ«مصريين» احتكمنا إلى مزاجنا الخاص الذى لا يعرف فكرة التخطيط فى التعامل مع الحدث، فأخذ الكثيرون يؤجلون الحصول على احتياجاتهم للشهر الكريم حتى آخر ليلة -ليلة الرؤية- فتدفقوا إلى الشوارع رجالاً وركباناً، وتزاحموا على المحال لشراء ما يلزمهم وما لا يلزمهم، حتى بدا الأمر وكأنه يوم الحشر! يحدث ذلك أيضاً ليلة العيد، وليلة بدء الدراسة، وليلة السفر، وفى كل ليالى العمر الذى يعيشه المصريون بمنطق التحرك فى آخر لحظة بعد أن تكون الواقعة قد وقعت والقيامة قد قامت.
وحتى فى الأمور التى يمكن أن تظن أن المصرى يسعى إليها ويحلم بها ويدفع الغالى والرخيص من أجل الحصول عليها والوصول إليها، فإنه لا يعرف كيف يتعامل معها بعد أن تصبح ملك يمينه؛ لأنه ببساطة لا يخطط، بل يهوى التعامل العشوائى مع الأمور. لاحظ مثلاً الطريقة التى أجاب بها مرشحو الرئاسة حين كان يُسأل أى منهم: ماذا ستفعل -لو وصلت إلى الحكم- مع هذه المشكلة أو تلك؟ كان الرد الخالد لهم: «لكل حدث حديث»! ولم تكن تلك الإجابة سوى محاولة للتهرب والتعمية على غياب أى رؤية أو خطة للتعامل مع الأحداث حال تحقق الحلم والوصول إلى الهدف. وليس أدل على ذلك من أن الدكتور «مرسى»، الذى فاز فى انتخابات الرئاسة، لم يشكل حكومة جديدة حتى الآن؛ لأنه ببساطة لم يخطط لمرحلة ما بعد الوصول إلى الرئاسة، وفعل مثلما يفعل أبناء جلدته من المصريين وانتظر حتى آخر ليلة، ومضت الليالى وكل ليلة تسلم الراية لأختها دون أن يجد جديد!
وقد انطبق الأمر نفسه على ثوار يوليو حين قاموا بحركتهم الشهيرة عام 1952 فقضوا على الملكية ووجدوا فجأة أن الحكم قد أصبح فى أيديهم، وهو الهدف الذى ظلوا يسعون إليه سنين طويلة حتى إذا أتاهم لم يجدوا شيئاً يصنعونه به، فكانت العشوائية فى القرارات وفى أسلوب الأداء، الأمر الذى أوقعهم فى العديد من المطبات، ولعل أكبر مثال على ذلك هو الطريقة التى تعاملوا بها مع حرب يونيو 1967. فقد اجتمع جمال عبدالناصر مع قادة القوات المسلحة قبل الحرب بأيام وأعلن لهم أن إسرائيل سوف تهاجمنا يوم 5 يونيو.. وبس! فقد كانت خطته أن ينتظر حتى تضرب إسرائيل ليحارب! أما «مشيره» عبدالحكيم عامر فقد طلب من مساعديه أن يجهزوا له طائرة لتنقله إلى مركز القيادة صباح الخامس من يونيو.. ودمتم! وكانت النتيجة هزيمة العشوائية التى لا تجيد التحرك إلا فى آخر ليلة!