استطاعت مباحث القاهرة ضبط تشكيل عصابى سرق ما يقرب من مائة مليون جنيه من المنازل، وهذا جهد ممتاز، فكما ورد فى التقارير الإخبارية أن هذا التشكيل على درجة كبيرة من التطور، حيث يقوم بدراسة كل منزل مستهدف بدقة واختيار أوقات غير تقليدية للسرقة، بالإضافة إلى كونه شديد الخطورة فهو مسلح، ومن ثم كان مرشحاً لارتكاب جرائم قتل فى حال التعرض لهم سواء من أصحاب المنازل أو من الشرطة، كل الملابسات تشير إلى أننا أمام تطور نوعى فى الجرائم، لكن ما يبعث عن الاطمئنان أننا أمام تطور نوعى أيضاً فى البحث الجنائى بالاعتماد على الخبرة والعمل الجماعى فى تشكيل فرق البحث وأيضاً الاعتماد على وسائل تتبع حديثة، ما يجعل هذه الواقعة ذات أهمية كبيرة لعدة أسباب:
- أنها تمس المواطنين بصورة شخصية مباشرة، فكل من يشاهد الواقعه أول ما يطرأ على ذهنه هو بيته أو شقته.
- أنها تعطى إحساساً عاماً بالاطمئنان بأنه رغم التحديات السياسية والإرهاب إلا أن أمن المواطنين هو موضع ، ما يدعم الثقة بين الناس والشرطة، وهنا تكمن القيمة المضافة لهذه الواقعة.
- لا يخلو الأمر من منفعة اقتصادية أيضاً، فربما تساعد هذه الواقعة الكثيرين على إعادة التفكير فى علاقتهم مع البنوك كمكان لأموالهم الزائدة عن الحاجة وليست البيوت، لكن الدرس الأعظم والأهم هو شعور المواطنين بأن الأمن بجانبهم، يحميهم وهذا هو المعنى الحقيقى لمفهوم الدولة التى تحمى المواطنين، لذا لا بد من لفت النظر إلى قضايا أمنية فى تقديرى لا تقل أهمية، وهى القضايا المتعلقة بالمشكلات الأسرية مثل خطف الأطفال، ضرب وحبس الزوجات أو كبار السن، والاستيلاء على أموال الأقارب أو ميراثهم، هذه القضايا كثير من ضباط المباحث لا يتفاعلون معها، إما عن قناعة منهم لأنهم يعتبرونها أمراً داخلياً، أو نتيجة لقيود قانونية لا تعطيهم صلاحيات التدخل، مثل أن يضرب زوج زوجته ويحبسها ويمنعها من الخروج من المنزل، الإبلاغ عن هذه الواقعة من الجيران لا يحرك ساكناً فى أغلب الأحوال سواء من الشرطة أو حتى النيابة التى ترى تنازعاً بين حق امرأة فى الحماية وبين حرمة الحياة الخاصة، فلا تصدر أمراً باقتحام المنزل وإنقاذ السيدة، أو خطف طفل من أمه سواء من أبيه فى تنازع رؤية أو من جده لأبيه بعد وفاة الأب فى تنازع ميراث، يقيد القانون الشرطة فى التنفيذ وإعادة الطفل لأن «أحكام الأطفال لا تنفذ جبراً» فتُكْلَم أم فى ابنها ويعذب طفل بالبعد عن أمه، هذه أمثلة بسيطة من قضايا كثيرة فى تقديرى لا تقل أهمية عن الأمن السياسى والجنائى لأن التفاعل مع هذه القضايا يحمى الضعيف من البغى ويضع الحدود بين الحقوق ويعلى مفهوم الدولة، والأهم بناء الثقة أن الأمن قريب من المواطن بمثابة القلب فى الجسم يعمل بقوة ليحمى كل عضو فيه.