لا أدرى سببا منطقيا لتمديد حالة الطوارئ لمدة شهرين إضافيين طالما لا يُجرى تطبيقها بكامل صلاحياتها وإجراءاتها ليصبح كل نصيبنا منها هو سمعتها السيئة فقط!!
ولا أدرى إلى متى سنظل نسعى جاهدين إلى «إهدار» قيمة القانون و«تجريف» هيبة الدولة ثم نسرع بعد ذلك لنتباكى عليها كما لو كان الأمر أقرب إلى «المهمة القومية» التى نكلف بها أنفسنا، مواطنين ومسئولين! فى البداية نطالب بوضع القواعد واحترام القانون وإخضاع الجميع لأحكامه دون أى استثناء، ثم يبحث كل منا عمن سيتيح له فرصة الإفلات من هذه القواعد التى ارتضيناها بل وتحمسنا لها، وفى نفس الوقت يتردد المسئولون فى تطبيق ما أعلنوه على الرغم من سابق تعهدهم بالالتزام به! من جانبنا نحن المواطنين فإن أبسط ما نسهم به فى هذه الجريمة -فى تلك الظروف التى نمر بها- هو أن نصر على محاولة «كسر» الحظر كما لو كان هذا الأمر دليلا على أهمية ونفوذ «الشخصية» بعد أن أبدلنا هذه المحاولات بالجملة الشهيرة «انت مش عارف بتكلم مين؟!».. من جانب الحكومة فإن حالة الارتباك والتردد وارتعاش أيادى فريقها يحول دون تنفيذ ما تعلنه وتلتزم به، ويكفى هنا أن حالة الطوارئ لم يتم تفعيل أى مما تتيحه من إجراءات ليصبح حالها فى النهاية «أشبه بحالة حظر التجول» الذى أعلنه مندوب «جماعة الإرهاب المسلمين لدى قصر الاتحادية الجمهورى» قبل عدة أشهر فى مدن القناة؛ حيث كان مواطنو هذه المدن ينتظرون موعد سريان الحظر لإقامة مباريات كرة القدم استخفافا بقراراته!! وهى الحالة التى نرفض أن تكون عليها «هيبة الدولة» بعد ثورة 30 يونيو.
بالتأكيد فإن هذه السطور لا تستهدف حظر الحريات أو تكميم الأفواه، لكنها محاولة لرصد واقع المشهد؛ فقد آن الأوان لنبقى واقعيين وندرك أن ما يحيط بنا من أخطار وما يهدد أمن الوطن من مخاطر يستوجب على حكومتنا «الببلاوية» تفعيل كل ما تتيحه «الطوارئ» من صلاحيات وإجراءات تعيد للمواطن الشعور بالأمن، دون مزايدة أو ترديد شعارات «حقوق الإنسان وحريته فى التعبير عن آرائه وأفكاره». ويكفى هنا أن نشير إلى الجملة الشهيرة التى نطق بها ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا «العظمى ديمقراطيا»: «عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا فلا أحد يتحدث عن حقوق الإنسان»!
وإذا كانت الفلسفة من وراء التظاهر هى التعبير عن الرأى أو الغضب وإيصال صوتك ورفضك إلى الجميع.. وإذا كان أبسط حقوق المواطنة يتيح لك التعبير عن مشاعرك.. غضبك.. سخطك، فإن هذا التعبير يجب أن يتم بصورة حضارية دون ترويع الآمنين ودون المساس بالمصلحة الوطنية وبممتلكات سدد الشعب ثمنها بدمه.. بل إن واجب المواطنة يفرض فى هذه الحالة الحفاظ عليها وحمايتها لا أن تشعل فيها النيران أو أن تحطمها إذا كنت بالفعل تنتمى إلى هذا الوطن!!
إن جماعة الإرهاب (الإخوان الشياطين) لم تكتفِ بتدمير ما بناه الشعب وتحمل فاتورته المواطن محدود الدخل.. ولم تقنع بأن تحطم ما نشتريه بأموال الفقراء.. أو إشعال النيران فى كل ما صنعناه أو استوردناه.. بل خرجت لتعمل آلة القتل الغاشمة لتحصد الأبرياء وتتحدى إرادة الشعب من أجل تحقيق هدف واحد أصبح بالفعل سرابا وهو منطق أقل ما يوصف به بأنه مجنون أو غائب عن الوعى!
ومثلما تفيض أسطح عمارات مدننا بـ«كراكيب» لا نستخدمها ومع ذلك نصر على الاحتفاظ بها دون أن نتخلص منها فإننى أعتقد أن «أسطح منازلنا» ستصبح المكان المناسب لحالة الطوارئ إذا لم تهجر الحكومة ترددها وتتوقف أيديها عن الارتعاش وتعلن حظرها للمظاهرات وأن تُخضع كل من يخرج ليهدد المواطنين لكامل صلاحيات حالة الطوارئ دون أن تكتفى فقط بـ«سمعتها السيئة»!!