يحتار الكثيرون فى تفسير تصرفات وقرارات بعض رؤساء الهيئات والأجهزة الحكومية، وهو ما ينعكس فى النهاية على إحساس المواطنين سلباً تجاه الحكومة بالكامل والتى يعتبرها غير قليلين منهم أنها تمثل لهم «جوز الأم» فى تصرفاتها معهم وتسعى لاضطهادهم أو معاملتهم بخشونة غير مبررة أو تخاطبهم بكل ما هو غريب ويفتقد إلى «العقلانية والمنطق السليم»..!
فى قرار -احترت فى أن أجد له تفسيراً منطقياً أو سبباً يخاطب العقل- كشف الدكتور أحمد عبدالعال رئيس هيئة الأرصاد الجوية، عن أنه فى القريب العاجل سيتم إرسال مشروع قانون إلى وزير الطيران لحظر الحديث عن الطقس من قِبل غير المتخصصين تمهيداً لدراسته وإرساله بالتالى إلى رئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، لعرضه على مجلس النواب..!
ولأن القانون سيتضمن «حظراً» فالمنطق يؤكد أن «اختراقه» سيؤدى بـ«الفاعل» إلى «تخشيبة» أى قسم شرطة تمهيداً لوقوفه فى «قفص الاتهام» فى أى محكمة ليكون مصيره النهائى خلف قضبان إحدى الزنزانات لارتكابه «جريمة الحديث عن الطقس» حال صدور هذا القانون..! باعتبار أن «هيئة الأرصاد الجوية» هى الجهة الوحيدة المخول لها الحديث عنه.
ويبدو أن «عبدالعال» غير مقتنع بعدم كفاية آلاف القضايا المكدسة بالمحاكم بل ويعتقد أن رجال القضاء والنيابة يعانون من «حالة فراغ مملة» وأن «مكاتب المحامين» تشكو من قلة الموكلين فأراد أن يحدث رواجاً قضائياً وأن يشغل القضاة ووكلاء النيابة بقضايا نوعية جديدة ليتكدس المواطنون أمام مكاتب الشهر العقارى لتحرير توكيلات للمحامين بسبب هذه القضايا الناتجة عن «قانون الأرصاد»، وبذلك يضمن «عبدالعال» انتعاش اقتصاد وزارة العدل بسبب رسوم التقاضى التى سيسددها «المتهمون» من المواطنين..!
«عبدالعال» لم يوضح -فى مداخلته الهاتفية مع الإعلامى جابر القرموطى ببرنامج «مانشيت»- الموقف القانونى لأى مواطن يتحدث مع أصدقائه -وهو جالس معهم فى أى مقهى- عن حالة الجو وما إذا كان بارداً أو حاراً.. أو يحدد مصير أى رب أسرة قد يندفع لينصح أفراد أسرته بارتداء ملابس تتناسب مع حالة الجو!.. إضافة إلى أنه فات عليه أيضاً أن يكشف عن كيفية تطبيق «قانونه» على صاحب تصميم «التطبيق» الخاص ببيان حالة الجو على أجهزة الموبايلات، وهو بالتأكيد ليس من بين «خبراء هيئة الأرصاد المصرية»..!
اللافت للنظر أن «عبدالعال» أوضح أن «قانونه» سيتضمن تجريم إقدام أى مواطن على «شراء أو عرض» أى من أجهزة الأرصاد دون الحصول على موافقة الهيئة، كما ولو كانت هذه الأجهزة تباع فى «City Stars» مثلاً أو فى أى «مول تجارى» آخر أو حتى على عربة يد فى الموسكى.. أو أن الهيئة ستوافق لأى مواطن يتقدم إليها بطلب «بورقة دمغة» لشراء جهاز ليصعد به على سطح منزله ليبدأ فى ممارسة عمله الجديد «خبيراً للأرصاد»!
التفسير الوحيد لـ«قانون عبدالعال» هو أن الهيئة تخشى من ظهور «هيئة للأرصاد الجوية قطاع خاص» ربما تنافس هيئة الأرصاد الحكومية، مما يتيح الفرصة لحدوث تصادم فى نشراتهما الجوية، الأمر الذى يصيب المواطن بحالة من الارتباك قد تدفعه إلى الذهاب إلى مقر عمله وهو يحمل معه «شنطة» تضم ملابس شتوية وأخرى صيفية ليستخدمها وفق صحة تنبؤات أى من الهيئتين «القطاع العام أو الخاص»..!
أو ربما يكون «حرص عبدالعال» الشديد على صحة المواطنين وعلى ميزانية الدولة المرهقة بالفعل لتجنب تكاليف علاج مواطنيها مما قد يصيبهم من أمراض أو حوادث حروق نتيجة تضارب «النشرات الجوية» هو الدافع وراء «تجريم شراء أجهزة الرصد» إذ قد يقدم أحد المتهورين من المواطنين -بعد امتلاكه مثل هذه الأجهزة- على إصدار «نشرة أرصاد» خاطئة لأفراد أسرته مما يدفعهم مثلاً إلى تشغيل «مدفأة» فى المنزل فى وقت تكون فيه درجة حرارة الجو خارجه 40 درجة مئوية لتكون النتيجة -لا قدر الله- إصابتهم جميعاً بحروق من الدرجة الثالثة.. أو تشغيل «تكييف هواء بارد» أو مروحة فى وقت تكون الحرارة فى حقيقتها منخفضة ليعودوا جميعاً إلى العصر الجليدى! وهو ما يؤدى فى النهاية إلى تكدس المستشفيات بالمرضى والمصابين من ضحايا «نشرات الأرصاد الخاصة..!».
وبالتأكيد فإن «عبدالعال» يتخوف من أن تعتمد «هيئة الطيران المدنى» -فى تشغيل جدول رحلاتها الجوية- على نشرة أرصاد «مضروبة» مما ينتج عنه كوارث تودى بحياة الآلاف من الأبرياء لا قدر الله، فأراد أن يُجنب المواطنين هذه المخاطر ليصلوا إلى وجهتهم سالمين دون أن تمسهم أى أضرار فتوصل بعد تفكير عميق إلى حتمية صياغة هذا القانون..!
منذ يوم الخميس قبل الماضى الموافق 3 مايو الحالى وقت مداخلة «عبدالعال» الهاتفية فإننى، ومعى بالتأكيد الكثيرون، لا نستطيع أن نخرج من دائرة الدهشة وتلك الحيرة التى دخلنا فيها بحثاً عن السبب المنطقى الذى دفعه إلى إعداد مثل هذا القانون فبالتأكيد لدى «عبدالعال» هذا السبب، غير أنه آثر التكتم عليه فربما يعد مفاجأة ويخصص جائزة لمن يتوصل لحل هذا اللغز..!
فى النهاية فإننا أصبحنا نعانى بالفعل من بعض المسئولين الذين يبدو أنهم لا يفكرون جيداً فيما يقولونه لوسائل الإعلام ذات الجماهيرية العريضة، وبالتالى إلى ملايين المواطنين، وبخاصة أن لدينا «عبدالعال» كثيرين على رأس مؤسسات وكيانات ضخمة، لتفاجأ الحكومة فى النهاية دون أى ذنب بأن عليها أن تعيد تفسير ما يردده هؤلاء المسئولون أو تصحيحه ليصبح «منطقياً أو ذا معنى حقيقى».. ووقتها سنكتشف أننا قد أصبحنا أقرب إلى الحكومة بالفعل بل وسنذوب عشقاً فيها.. ونحترق شوقاً إليها.. ونعد الثوانى للقياها.. ونغفر كل خطاياها.. ونتمنى رضاها.. وسنرى أن الحكومة قد اكتسبت بالفعل رقة وحنان الأم وليس «خشونة جوزها» معنا..!