منذ عام تقريباً كنت على موعد سفر إلى القاهرة، لتوثيق بعض الأوراق الخاصة بشقيقى الأصغر، من قطاع الأحوال المدنية بالعباسية، وذلك نظراً لتقدمه بأوراقه فى ذلك الوقت للالتحاق بالكلية الحربية، والذى لم يحالفه الحظ فى الالتحاق بها، لأسباب خارجة عن إرداتنا.
قادتنى الظروف إلى الذهاب مع عدد من أصدقائى المهندسين، وكانوا قد أقاموا فى شقة مفروشة بشارع الهرم بالقاهرة، لأخذ بعض الكورسات الخاصة بهم بنقابة المهندسين، وقاموا باستضافتى أكثر من أسبوعين، وذلك بعد أن جددت إقامتى مرة أخرى، لإجرائى بعض المقابلات فى عدد من الجرائد والمواقع الإخبارية، أملاً فى الحصول على فرصة عمل .
كان أصدقائى هؤلاء يذهبون إلى كورساتهم فى الخامسة من مساء كل يوم، بعد أن يستيقظوا من نومهم فى تمام الساعة الثانية بعد الظهر، بعد سهرات خفيفة كانت تستمر حتى السابعة من صباح كل يوم، ومن ثم يعدّون وجبة الغذاء، وكانوا يغادرون ويتركونى لحالى فى الشقة ومن ثم أذهب إليهم وأكون فى انتظارهم أمام نقابة المهندسين بشارع رمسيس، حتى خروجهم فى الساعة العاشرة مساءً، لنذهب إلى التنزه، وكان أكثر ذهابنا إلى ميدان التحرير، ومنطقة الحسين، وشارع المعز، ولاشك أن له مذاق خاص، كونه من أقدم شوارع القاهرة وعمره يزيد على ألف عام .
فى أحد الأيام، انتظرت أصدقائى فى محطة مترو الشهداء، حتى خروجهم من الكورس الخاص بهم، وبعد أكثر من نصف ساعة من الانتظار وجدتهم يظهرون أمامى واحداً تلو الآخر، ووجدت بينهم شاباً غريباً يُدعى «عطا الله»، وقام كل منا بالتعرف على الآخر، وعلمت أنه كان زميل لهم بكلية الهندسة، فى جامعة كفر الشيخ، وأيضاً علمت أنه من قرية تابعة لمدينة «دسوق»، وهى تبعد عن مدينتا «بيلا» بأكثر من 48 كيلو متر.
استقلينا فى هذا اليوم المترو المتجه إلى حلوان، وقررنا الذهاب إلى المعادى، للتنزه بها، والعمل على كسر الروتين اليومى فى الذهاب إلى الأماكن التى اعتدنا عليها، وللأسف ضللنا الطريق نظراً لرغبتنا فى التغيير بلا دراية.
وعرضت عليهم الذهاب إلى شارع النصر فى المعادى، لتناول وجبة العشاء فى أحد المطاعم الكبرى هناك، ومن ثم استجابوا لعرضى، وذهبنا وتناولنا العشاء، وأخذنا نبحث عن سيارة تقلنا إلى شارع الهرم، حيث محل إقامتنا فى ذلك التوقيت، وبعد محاولات من البحث عثرنا على أحد السائقين وعرضنا عليه الأمر وتفاوضنا معه من أجل الذهاب إلى المكان المذكور، ووافق الرجل، وسرنا على بركة الله، وبدأنا نتحدث عن جامعة كفر الشيخ، وما بها من أحداث، ودخل معنا فى الحوار «عطا الله»، ومن هنا جاء دورى فى الحديث معه، والتعرف عليه أكثر.
فقد قررا أصدقائى أن يُبيت معهم «عطا الله» فى تلك الليلة، وذلك مراعاةً لبعد محل إقامته، وكان فى مدينة الرحاب تقريباً، وأخذنا نتحدث فى الطريق لأكثر من ساعة، ومن ثم وصلنا إلى الشقة، وبدل كل منا ملابسه، وأخذنا نتحدث، وأخذ «عطا الله»، يحدثنا عن تجاربه العاطفية، وعن مغامراته النسائية، واستطاع أن يوهمنا أنه «زير نساء»، وهو فى الحقيقة غير ذلك، فقد لمست فيه الطيبة، وحسن المعاملة.
تحدث معنا كثيراً، فى تلك الليلة، حتى واننى وضعت عنواناً لتلك الليلة وسميتُها، بـ«مغرامات عطا الله»، لما سرده من أحداث مر به، لا يُمكن ذكرها، وكأنه رابط الجأش شديد البأس، ولم ينتهى الحديث حتى سمعنا صوت مؤذن المسجد، والذى كان أسفل السكن وهو يصدح بقول «الله أكبر»، إيذاناً بحلول موعد صلاة الفجر.
هرول كل منا من أجل الوضوء، والذهاب لأداء صلاة الفجر فى المسجد حاضراً، وذهبنا جميعا لأداء الصلاة، وعقب الصلاة صعدنا مرة أخرى من أجل النوم، مع شروق شمس يوم جديد، وأخذت أفكر فى عطا الله ومغامراته، حتى غلبنى النوم.