دور يوسف صديق فى ليلة ثورة 23 يوليو معروف. فتحركه المبكر (قبل الموعد المحدد بساعة كاملة) واعتقاله للواء عبدالرحمن مكى قائد الهايكستب وعدد من القادة الآخرين كان السبب المباشر فى نجاح الثورة. «وصديق» هو من حاصر بقواته مقر القيادة العامة للقوات المسلحة واعتقل من به. ولا خلاف على أن تحركاته المبكرة والحاسمة كانت العامل الأهم فى نجاح الثورة، لأنه ببساطة أجهض التحركات المضادة التى كانت تتم على قدم وساق لمواجهة التمرد الذى يقوده الضباط الأحرار، ويؤكد أغلب الضباط فى مذكراتهم أن وأد الحركة والقبض على عناصرها كان وارداً لولا تحرك «صديق».
القارئ لمذكرات يوسف صديق يلاحظ أنه كان حائراً بين الإسلام والاشتراكية. انضم فى شبابه الأول إلى الحركة الشيوعية، ولم يعجب بتشرذمها وتفككها وصراعاتها الداخلية، لكن ذلك لم يمنعه من تبنى الفكر الاشتراكى، وما ينادى به من مبادئ كان يرى أن الإسلام يؤكد عليها، ويظللها بمظلة الإيمان بالله الواحد الأحد، ويبقى أن قناعاته الإيمانية لم تُقربه فى لحظة إلى جماعة الإخوان، إذ رأى أنهم أفشلوا قضيتهم فى إحياء الإسلام. مزاج «يوسف صديق» كان متطرفاً إلى حد كبير، وبهذا المزاج تستطيع أن تفسر ما امتاز به من شجاعة وجرأة فى التحرك ليلة الثورة وفى إعلان رأيه بصراحة دون أن يخاف لومة لائم بعد نجاح الثورة. وبمناسبة الحديث عن الملك كان «صديق» يتبنى رأياً متطرفاً فى النظام الملكى، إذ رأى أنه ليس من الإسلام، وأن «معاوية بن هند» -على حد تعبيره- هو الذى اخترع نظام الملك العضوض (الوراثى) ليهدم المبدأ الأصيل الذى قام عليه الحكم فى الإسلام وهو مبدأ الشورى.
انضم يوسف صديق إلى مجلس قيادة الثورة، وهاله منذ اللحظة الأولى الطريقة التى يفكر بها الضباط فى مستقبل الحكم. فوجئ بقرار المجلس بالتصديق على حكم إعدام «خميس والبقرى». وانزعج كل الانزعاج من صلاح سالم حين قال: «وإيه يعنى لما نعدم مليون شخص فى سبيل نجاح المسيرة». نقطة الخلاف الجوهرى بين «يوسف صديق» ومجلس قيادة الثورة دارت حول موضوع «الديمقراطية». آمن الرجل بضرورة أن يعود الجيش إلى ثكناته بعد أن قام بمهمته فى تحرير البلاد وتخليصها من الملك الفاسد، ونادى بحق الشعب فى اختيار من يحكمه من بين القوى السياسية الموجودة على الساحة حينذاك. ووصل الخلاف بينه وبين المجلس إلى نقطة اللاعودة، مع صدور قرارات إلغاء الدستور وحل الأحزاب السياسية وإعلان الفترة الانتقالية منتصف يناير 1953. قرر «صديق» الاستقالة من المجلس وتم إبعاده خارج مصر، ليعود إليها ثانية ويشارك عام 1954 فى مظاهرات الشعب الداعية إلى الديمقراطية، ليتم القبض عليه وإيداعه بالسجن الحربى، ويخرج من المشهد السياسى، ويأوى إلى الظل حتى وفاته عام 1975 بعد صراع طويل مع مرض «سرطان الرئة».
ذلك هو الضابط النبيل يوسف صديق الذى وضع حياته على كفه ليلة الثورة، وكان السر الأكبر فى نجاحها، ورغم ذلك لم يطلب ثمناً أو يطمع فى منصب أو موقع، بل على العكس أخذ يدافع بشراسة عن الحكم الديمقراطى، ورأى فى الاستبداد جريمة تسوق إلى المهالك.