فى كل عام، يتوجه عشرات الآلاف من طلبة الثانوية العامة إلى مكاتب التنسيق لاختيار ما سيكون عليه مستقبلهم، والكثير منهم لا يعرف السبب الحقيقى لاختياره، وغالباً ما تكون الاختيارات مبنية على أسس غير مدروسة، لكن بالتأكيد توجد نسبة منهم يعرف جيداً ماذا يريد، ويسعى للالتحاق بالكلية التى يريدها ويستعد لها إن كانت لها متطلبات أخرى كامتحانات القدرات.
اختبارات القدرات، هى فى حد ذاتها أمر جيد، لأنها عادة ما تعبر عن احتياج الكلية لفئات معينة لديها بعض المواهب الإضافية، ولكن هل هذه الاختبارات تتم بشفافية ومعايير جيدة ومنهج تقييم مدروس؟ أم أنها باب واسع للمجاملات ولا أرغب أن أقول الفساد.
هل هناك وسيلة للتأكد أننا لا ننهى حياة طالب أو طالبة كان يحلم منذ طفولته بتخصص ما وعمل بجد هو أو هى وأسرتهم لتنمية موهبة بدأت منذ تشكّل الوعى لطفلهم، ويفاجأون بالرفض بكلمة واحدة «غير لائق».
هذه الكلمة فى حد ذاتها «غير لائقة»، لأنه إذا كانت اختبارات القدرات هى وسيلة للتقييم، فمن حق من تم تقييمه أن يعرف أسس التقييم، وأن يتم ذلك بقرار لجنة متعددة الاختصاص ومحددة السلطات والصلاحيات، وأن يتم بناء على درجات ونسب محددة حول جوانب الموضوع التى يتم الاختبار بناء عليه، يلى ذلك تقديم تقرير بالدرجات والنسب والأسباب التى تم بناء عليها الدخول فى لجنة «لائق»، أو الطرد منها «بغير لائق».
ما أقوله ربما أ.ب. تقييم، فالتقييم علم واسع وله أسس محددة، أما ما يتم فى الكثير من الكليات، فهو الاكتفاء بكلمة واحد، وهى بمثابة إعطاء سلطة مطلقة لشخص أو لجنة ما يجعل هذه اللجنة محط شك حتى لو تمتعت بأقصى درجات النزاهة، فكثير من الاختبارات يخرج منها الطلاب مشككين فى آلية الاختيار، البعض يقول عشوائى والبعض يرى أنه للمعارف والوسايط، لا نجد طالباً أو طالبة رسب فى امتحان قدرات يرى أنه يستحق الرسوب، بل اللافت للأمر أن بعض من نجح يقول إنه لا يعلم على أى أسس نجح أو كيف تم اختياره، وقد رأى من هم أفضل.
وهذا ما تم تداوله مؤخراً عن إحدى الكليات التى تم التشكيك فى لجنة الاختبارات لأنها رفضت طالباً قدم رسومات تدل على موهبة فريدة لم يحظ بها الكثيرون ممن تم قبوله، هذا من وجهة نظر المشاهد العادى غير المتخصص، أما وجهة نظر اللجنة المتخصصة، فربما رأت ما لم نره مثل الفرق بين الإبداع والتقليد، من يمتلك رؤية ووعياً ومن يرسم كالمكنة، قد تكون هذه الأسباب الحقيقية، وقد لا تكون كذلك، وهناك أسباب أخرى غير موضوعية وغير شفافة، هناك من يتحمل مسئولية القضاء على أحلام هذا الطالب أو الطالبة؟
أسس التقييم الموضوعية وتقديم تقرير تحليلى، ولو كمياً، بالدرجات وليس كيفياً وعلى يد لجنة هو حق لمن يتم تقييمه وحق للكلية أيضاً، من حق الطالب أو الطالبة أن يعرفوا أين الفجوة، ليعملوا عليها لتحسين موهبتهم، ومن حق الكلية أن تحمى سمعتها وكرامتها، وألا تدع مجالاً للشك فى نزاهتها.
ما دون ذلك يكون الأمر أبعد ما يكون عن العلم أو التربية، ويكون بمثابة سلطة مطلقة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، أرجو أن ننتبه لذلك.