يحدد الدكتور محمد عمارة انتقاداته لكتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبدالرازق فى أن الكتاب تشوبه عدة عيوب، منها: التناقض فى تقييم التجربة الإسلامية فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعما إذا كانت روحانية خالصة أن مزيجا من السياسى والروحى، وكذلك التناقض فى تقييم التجربة التى لحقت الرسول بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وفساد الاستدلال، نظرا لأن عبدالرازق يستشهد بما لا يفيد قضيته إن وضع استشهاده موضع التدقيق، إلى جانب إهمال عبدالرازق للجوانب المشرقة فى الفكر الإسلامى؛ لأنه خلط بين «النظرى» و«التطبيقى» وبين «النص» و«الممارسة» أو بين «الفكر» و«التاريخ».
ومع كل هذا ينتهى عمارة إلى القول: «نعتقد أن كل هذه الانتقادات لا تقدح فى قيمة الكتاب وأهميته، كعمل فكرى أثار من الجدل والصراع والمعارك ما لم يثره عمل فكرى آخر فى بلادنا، منذ أن عرفت الكتاب المطبوع وحتى الآن»، وفى ظنى أن كل الردود التى تصدت لعبدالرازق لم تأت على حجية الكتاب وأهميته، وانتصار الزمن له، مع تنامى الاتجاه إلى أن الإسلام يقر مدنية الحكم، ولا يعرف الثيوقراطية من قريب أو بعيد.
وأخيرا، هناك من قدح فى نسب الكتاب إلى على عبدالرازق أصلا، وقال إنه شركة بينه وبين طه حسين؛ لكن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يكون طه حسين هو المؤلف الحقيقى للكتاب، لأسباب منها أن الأسلوب أو بنية الجملة فى الكتاب تختلف تماما عن أسلوب حسين الذى كان يحمل سمات شفاهية ظاهرة، نظرا لأنه كان يملى كتبه ولا يخطها.. وهذه مسألة لا نعثر عليها إطلاقا فى طريقة وأسلوب على عبدالرازق الذى نألفه فى كتبه وأبحاثه الأخرى.
كما أن طه حسين الذى كان معروفا بالشجاعة والاعتداد بالرأى، لم يكن بحاجة إلى التخفى وراء أحد ليطلق أفكاره وفى الوقت نفسه كان عبدالرازق مكتمل القيمة والقامة الفكرية معتدا برأيه، ولم يكن يقبل أن يكتب له أحد أو ينتحل ما أنتجه غيره من معرفة وأفكار.
إن البعض يسعى دوما إلى تشويه الأفكار التى يختلف معها بالطعن فى أصالتها والتقليل من قدرات صاحبها، وحدث الأمر نفسه مع قاسم أمين، حين قال البعض إن كتابه «تحرير المرأة» من تأليف الإمام محمد عبده، كما حدث مع طه حسين أيضا حين قدح أعداؤه فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» وقالوا إنه من وضع أستاذه المستشرق البريطانى ديفيد صمويل مرجليوث.
وفى تقديرى، فإن الأهم من هذا الجدل هو التركيز على الأفكار التى طرحها الكتاب، والتى لا تزال مهمة وحيوية وقابلة للنقاش فى ظل عدم قدرتنا حتى هذه اللحظة على حسم معضلة الخلط بين الدين والدولة فى الإسلام.
( نكمل غداً)