ينظر البعض إلى القائد الشهير «تيمورلنك» كواحد من أهم قادة المغول الذين حاربوا الإسلام فى البداية ثم آمنوا به فكانوا خير المدافعين عنه. تلك أكذوبة كبرى!. «تيمورلنك» يقدم لنا نموذجاً لقائد متعطش إلى سفك الدماء وبناء أبراج من جماجم المسلمين. دخل عليه القاضى «ابن مفلح» -قبل اقتحام دمشق- ليفاوضه على منح أهل المدينة الأمان فوجده «كثيراً ما يذكر الله تعالى ويستغفره من ذنوبه، وأن السبحة لا تزال فى يده دائماً». الذكر ولفظ كلمة الله وكثرة تكرارها على اللسان مقياس الإيمان عند المسلمين، وعندما يقترن ذلك بمسبحة تتدفق حباتها بين الأصابع فقد بلغ المرء ذروة الدين. إنها فكرة التدين الشكلى التى يطرب لها المسلمون والتى لم تزل تؤسس لفهمهم للدين حتى يوم الناس هذا، والواضح أنها موروثة عن الأجداد. حتى هذه اللحظة تجد أن فكرة التوسع فى ذكر الله باللسان والاستغفار والتسبيح وغير ذلك تعد مؤشراً على الإيمان يتفوق على البعد السلوكى. توقف «ابن مفلح» عند الإيمان الشكلى أو المظهرى، ولم يلتفت إلى مذابح «تيمورلنك» فى حلب وحماة التى سبقت مذبحته الكبرى فى دمشق، مثلما يتوقف الكثيرون اليوم أمام هذا النوع من الإيمان أو التدين دون أن يلتفتوا إلى سلوك صاحبه.
عندما وافقت دمشق على التسليم أمام قوات «تيمورلنك» بدأ رحلة استحلاب لأموال أهلها، فطلب من القاضى «ابن مفلح» جمع مبلغ طائل من المال (نحو مليون دينار ذهب)، فلما حصل وذهب بالمبلغ إلى «تيمور» أخذه منه، ثم زجره قائلاً إن المبلغ ناقص طبقاً لحسابات عملة بلاده (التومان). هنالك تحول «ابن مفلح»، ابن مدينة دمشق، إلى سوط عذاب يهوى على ظهور أهلها، حتى يتمكن من جمع المبلغ المطلوب، ثم ذهب به إلى «تيمور» فلم يرض الأخير من جديد وأعلمه أن المال ناقص وطلب منه أن يجمع ما لدى الناس من ودائع تركها لهم الأمراء المماليك، ثم كلفه بجمع أموال التجار الغائبين وأعيان البلد. ولم يزل «ابن مفلح» يجمع المال و«تيمور» لا يشبع. أقام أهل دمشق على هذا النحو من الإذلال والتعذيب مدة 19 يوماً، وفى اليوم العشرين، دخل إلى المدينة عسكر كأمواج البحر، وهم مشاة، وبأيديهم سيوف مسلولة فنهبوا ما بقى فى المدينة وأسروا النساء والشباب والرجال. لم يكتف «تيمورلنك» بذلك فأمر بحرق مدينة دمشق بمساجدها ودورها وأسواقها. فلما كان يوم الجمعة ثانى شهر شعبان عام 803 هـ قرر «تيمورلنك» الرحيل بجنوده عن دمشق، بعد 80 يوماً كاملة قضاها فى السلب والنهب والقتل والتحريق والتخريب، ولم يشأ القائد المسلم أن يترك المشهد بلا ذكرى أخيرة، حين طلب من جنوده أن يجمعوا له كل أطفال المدينة الذين أسر أهلهم، فكانوا ما بين ابن خمس سنين إلى شهر وشهرين، فركب «تيمورلنك» وأتى إلى مكان تجمع الأطفال ومكث ينظر إليهم ساعة ثم قال للعسكر: «سوقوا عليهم بالخيل فماتوا أجمعين وكانوا نحو 10 آلاف طفل». ذلك ما يحكيه «ابن إياس»، مستطرداً أن بعض أمرائه لاموه على ما فعل فقال: «ما نزل على قلبى فيهم رحمة». فكان «تيمورلنك» يقول: «أنا غضب الله فى أرضه يسلطنى على من يشاء من خلقه»!.