بتلك الورقة الخضراء تُلاعب أمريكا العالم. تغضب على دولة فتكون العقوبة حظر التعاملات الاقتصادية والمالية معها، ما يؤدى إلى هروب رؤوس الأموال منها، ووقف عمليات تحويل الأموال من الدولة وإليها، وتراجع عمليات التصدير والاستيراد، ويترتب على ذلك تهاوى العملة المحلية أمام الدولار بسبب شحه. بهذه الطريقة عاقبت الولايات المتحدة روسيا وكوريا الشمالية وإيران وتركيا. مستر دولار هو الذى يحكم، فهو يمثل عملة أقوى اقتصاد فى العالم، وهو الاقتصاد الأمريكى.
قبل ساعات أعلن البنك المركزى الإيرانى أن جمیع طلبیات السلع الأساسیة والأدویة تتم تلبیتها، ولیس هنالك قلق إزاء توفیر الدولار لهذه السلع. يأتى هذا التصريح بعد بدء تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران والتى تستهدف النظام المصرفى. الهدف الأساسى لأى نظام سياسى أصبح يرتبط بتوفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد مجموعة السلع الأساسية التى يحتاجها الشعب الذى يحكمه. وكلما حدث اهتزاز على مستوى توافر العملة داخل أية دولة تسمع هذا النوع من التصريحات يتردد على ألسنة المسئولين بها. فالدولار هو جوهر اللعبة، وهو الأداة التى تدير بها أمريكا مصالحها داخل دول العالم المختلفة.
انخفاض سعر العملة المحلية أمام الدولار هو السر الأكبر فى موجات التضخم وارتفاع الأسعار التى تضرب اقتصاد أية دولة، وهو أمر مفهوم فى ظل اعتماد العديد من اقتصاديات دول العالم الثالث على استيراد السلع الأساسية من الخارج. أية إجراءات اقتصادية أخرى لا تعادل فى تأثيرها النتائج التى تترتب على تهاوى سعر العملة المحلية أمام الدولار، إذ تبقى كلمة السر فى ارتفاع أسعار السلع بما يترتب على ذلك من أوجاع ومعاناة شعبية.
الرهان الأول للإدارة الأمريكية فى تحريك الشعوب ضد الأنظمة السياسية التى تغضب عليها هو «مستر دولار». فارتفاع الأسعار وشح السلع وتعقّد الأوضاع الاقتصادية تمثل المحرك الأول الذى يدفع الشعوب إلى التمرد على أنظمة الحكم، ولا يخفى عليك حالة الهشاشة التى تصيب أية دولة نتيجة اضطراب الأوضاع بها، بما يمكن صانع القرار الأمريكى من تحقيق مخططاته أو إنجاز مصالحه داخل هذه الدولة، لذلك يجد أغلب الحكام أن أسهل طريقة للاعتذار عن حالة التردى الناتجة عن اهتزاز العملة المحلية أمام الدولار تتمثل فى الحديث عن المؤامرة الأمريكية على الدولة.
حديث المؤامرة ينطوى على قدر من الوجاهة ولا شك، لكن قدرة الولايات المتحدة على التآمر أساسها خيبة الحكام واستعدادهم لفعل أى شىء من أجل الحفاظ على كراسى السلطة. كلهم ذلك الرجل المستعد للتضحية بآخر مواطن عنده من أجل الاستمرار فى الحكم، وأكثرهم يخرج على شعبه مستنفراً روح المقاومة والتحدى ومستغرقاً فى أحاديث عن الحفاظ على الدولة التى يريد الأعداء هدمها، انطلاقاً بالطبع من أن الحاكم والدولة وجهان لعملة واحدة. هكذا فعل «أردوغان» فى تركيا، وكذلك يفعل حسن روحانى وملالى إيران. الكل يخرج بذات الأسطوانة المشروخة، ليعيد ويزيد فيها، وليس يهمه بعد ذلك ما يحدث، لأن الشعوب وحدها هى التى تدفع الثمن: ثمن العربدة الأمريكية، وثمن ولع حكامهم بالسلطة.