من الأمور اللافتة أن غزوة «سليم شاه» للديار المصرية كادت تنتهى بسقوطه والقضاء عليه قضاء مبرماً. فقد تعرَّض لانقلاب عسكرى قام به مجموعة من الانكشارية من أفراد جيشه الغازى، وكادت المحاولة تنجح لولا تحرّكه قبل أن ينقضَّ عليه المنقلبون الذين رتبوا لقتله بمنطقة المقياس، فتحرك منها إلى بيت السلطان قايتباى، وشارك فى محاولة الانقلاب تلك 24 من ضباط الجيش العثمانى. يقول «ابن إياس»: «وفى يوم السبت رابع شعبان وقعت حادثة مهولة، وهى أن السلطان سليم شاه قبض على جماعة من عسكره، نحو أربعة وعشرين إنساناً، وقيل أكثر من ذلك. فلما قبض عليهم رسم بشنق جماعة منهم فى أماكن مختلفة، وكلّب منهم اثنين على باب زويلة، واثنين على باب الصاغة، واثنين بين القصرين، والبقية عند جامع قوصون، وشىء فى الصليبة، وشىء فى قناطر السباع. وأشيع أن سبب ذلك أن جماعة من الانكشارية قصدوا أن يقتلوا ابن عثمان لما كان بالمقياس، فاستدرك أمره وتحول إلى بيت السلطان قايتباى الذى خلف حمام الفارقانى، وصار يقبض على من كان سبباً لإشاعة قتله».
ويذهب «ابن إياس» إلى أن سليم الأول لم يكن يأمن لأحد من المحيطين به، وكان أغلب من حوله يتوقعون منه الغدر فى أى لحظة، وربما يكون «ابن إياس» قد ساق هذا الكلام فى سياق تبريره لفكرة الانقلاب عليه من جانب الضباط الـ24 من الانكشارية العثمانية المصاحبة له. ويضرب «ابن إياس» مثالاً على طبع الغدر الذى جُبل عليه «سليم» بما وقع منه مع «يونس باشا». ويونس باشا هذا كان واحداً من أبرز الوزراء الأتراك الذين صاحبوا السلطان العثمانى فى غزوته إلى مصر، يصفه «ابن إياس» بأنه كان أعظم وزرائه وكان لطيف الذات، عنده رقة فى طبعه خلافاً لأبناء جلدته من العثمانيين الأفظاظ. قُبيل مغادرته مصر فكّر «سليم» فى أن يجعل من وزيره المقرب «يونس باشا» نائباً له على البلاد، لكنه فجأة قرر قتله، دون أسباب واضحة، كما يذهب «ابن إياس».
أمر «سليم شاه» بقطع رأس «يونس باشا» الذى لعب دوراً مهماً فى توليته عرش تركيا فى ظل منافسة شديدة من إخوته، وفضّل أن يجعل من المملوك الخائن «خاير بك» نائباً له على مصر. يقول «ابن إياس» تعليقاً على هذه الفعلة: «سليم شاه ابن عثمان ليس له صاحب ولا صديق، ولا أمان منه لأحد من وزرائه ولا من عسكره. ومن طبعه الرهج والخفة، ويحب سفك الدماء ولو كان لولده. وآخر الأمر قتل يونس باشا لكونه صار له عليه يد قديمة، وكان يونس باشا يظن أن سليم شاه يرعى له الود القديم».
لم يمضِ ما يقرب من عامين على عودة سليم الأول من مصر إلى إسطنبول حتى وافته المنية عام (1519)، وله من العمر 74 عاماً. خرج المنادون يعلنون بالعربية والتركية وفاة السلطان سليم شاه وتولى ولده السلطان سليمان القانونى عرش السلطة. يقول «ابن إياس»: «فارتجت القاهرة فى ذلك اليوم وتحققوا من موت سليم شاه من غير شك، وقالوا سبحان من هدّ الجبابرة.. وأما المماليك الجراكسة فزاد عندهم الفرح والسرور، واستبشروا بالفرج.. وكما يقال: مصائب قوم عند قوم فوائد».