«اعتماد».. 25 عاماً بين غيط الأب وأرض الزوج: لا أحلم سوى بالستر
«اعتماد» تتابع كل شىء فى الأرض
ربع قرن قضته اعتماد إبراهيم داخل أرض زوجها ومن قبله أبيها، تعلمت فنون الزراعة بالفطرة، تقوم بمهامها كاملة دون شكوى، تزرع وتحصد وتتابع كأى رجل فى قريتها، تستيقظ مع نسمات الصباح الأولى تصطحب بهائمها، ومعها تفتح حواراً كأنها تسمعها، حتى الوصول لمظلتها وسط الزراعات، تداعبها وتضع لها فطورها، ثم تنزل لممارسة عملها اليومى: «بحش للبهايم وبسرح بيها فى طريق كله صبخ وملح»، اعتادت أن تساعد والدها منذ صغرها ومن بعده زوجها حتى تشققت قدماها، تكسو يديها طبقات من «القشف»، لكنها لا تزال تحتفظ بقوامها الممشوق بعد تخطيها الـ40 وابتسامتها الصافية التى تشبه نور الشمس تزدهى بأزهار القطن حين تتفتح بلونها الأبيض الزاهى.
حالة من الرضا تسيطر عليها رغم سوء الأحوال وشقاء المعيشة لكن اعتزازها بكونها فلاحة يزيدها فخراً وكبرياءً يخفى آثار الإصابات التى طالتها من استخدام «الشرشرة» والأدوات الزراعية التى تستعين بها فى الحقل: «إحنا كفلاحين اللى وراه مصالح لازم يقضيها من بدرى، مبنعرفش الكسل ولا الاعتماد على غيرنا فى أكل العيش»، تحكى أنها فى موسم محصول الأرز تتابعه منذ بذره فى الأرض حتى نومه بطول معين ونزعه ثم غرسه مرة أخرى كشتلات وترش الكيماوى بيدها بدلاً من زوجها: «السند فى البيت وبره البيت».
أنجبت طفلتين وولداً «سارة ومزايا وإبراهيم» تصطحبهم معها يومياً إلى الحقل يساعدونها فى بعض الأمور مثل جنى القطن ومراعاة صغار المواشى: «بطلعهم معايا يوميات للجمع فى الإجازة»، كانت تتقاضى 5 جنيهات فى صغرها ثم زادت تدريجياً من 10 إلى 20 و30 وأخيراً 50 جنيهاً: «بنطلع نعقد رز مع جيرانا الفلاحين عشان نجيب أكل للعيال»، تطلب الستر ولا ترغب فى شىء آخر، لا يهمها إن كانت تعيش فى عشة أم قصر، الأهم أن تبقى مستورة لا تمد يديها لأحد، تدعو سيدات قريتها لمساعدتها فى مواسم الحصاد وتذهب هى وأبناؤها وزوجها لمساعدتهم أيضاً: «أوقات مبيكنش معانا فلوس نجيب أنفار فبنروح نساعد بعض»، تشتكى من أعمال الفلاحة الشاقة لكن لا سيبل غيرها للعيش، تداوى جروح أصابعها بالأعشاب الطبيعية: «صباعى اتقطع أكتر من مرة من الشرشرة والإزاز دخل فى رجلى وبنستحمل عشان نعيش».