شرفت بحضور الحفل المسرحى «حدث فى بلاد السعادة»، وكنت لم أذهب إلى المسرح منذ الطفولة تقريباً، إذ كان آخر ما حضرت «شارع محمد على». وخلال هذه السنوات لم أفتقد المسرح أبداً، لأننى عُوِّضتُ بالسينما والأوبرا، لما لهما من طابع مختلف يجعلك تفكر ويجعل الوجدان يعمل بشكل سليم.
ربما غاب المسرح الجاد والهادف فترة طويلة، وربما كان يظهر بعروض غابت عنى، لكنى بالفعل استمتعت بهذا العرض الهام، الذى لم يغفل الكوميديا، وأدخل الاستعراض، وتخلله الشجن، والأهم كان إعمال العقل وتشغيله بشكل يجعلك تمتزج مع الممثلين والديكور والموسيقى وتدخل رأس الكاتب، تناقشه فتختلف وتتفق معه.
عرض يعيد الثقة بهذا العصر، وبأن الإتقان الفنى ممكن، وبأن الإيجابية موجودة. كلمات منتقاة، وأفكار سوية، ومنطق يعقل يجعلك تتمنى أن تسود هذه الأعمال المحترمة وتأخذ مكانها الذى تستحقه.
هكذا أعمال تُرجِع المواطن المصرى لقواعده سالماً، دون إسفاف أو بذاءت أو أفكار مسمومة وسلوك عطب وأبطال مشوهين، والادعاء بأنهم يعبّرون عن المجتمع، بل هم شريحة واحدة من مجتمع عريض يجب معالجة التشوه الذى لحق به، وليس عرضه وجعل هذه المسوخ هى القاعدة.
أذكر هذا لأنه يعز علىّ أن تجد الأعمال المسفّة والهابطة وعديمة الفكر ساعات من البث التليفزيونى ودعماً إعلامياً إعلانياً، بينما لا تلقى العروض الجادة نفس الدعم، إنها الغيرة على عقل ووجدان المواطن المصرى.
«حدث فى بلاد السعادة»، والمسرحيات التى تشبهها، يجب أن تعمم، ويجب أن تقام لها حفلات نهارية يحضرها طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس والإصلاحيات ودور الأيتام ومستشفيات الأورام وغيرها، مسرح كهذا هو علاج مجتمعى ونفسى، وله دور تربوى أقله إبعاد التلوث السمعى والبصرى الذى أصاب الفن المسرحى.
وهى دعوتى التى أوجهها للدولة بأن تدعم مسرحاً كهذا، فهو الطريق الأيسر والأسهل لإصلاح مجتمع بأكمله. المسرح أبوالفنون وأصلها، وسحره لا يضاهيه سحر آخر، فهو تعايش تام بين صنّاع العمل والمتفرج، ورد فعل فورى، علاقة خاصة جداً بين الجمهور وصنّاع العمل، فن راق يجب ألا يشوه أبداً.
تحية إجلال وتقدير للمؤلف وليد يوسف، الذى ما خيب ظننا به أبداً، والذى بدأ كبيراً منذ ظهوره الأول بثلاثية الدالى للرائع نور الشريف، ولمخرج العمل مازن الغرباوى الذى بذل جهداً كبيراً فى إمتاع المشاهد، ولنخبة الممثلين الرائعة، التى لا أريد إغفال أحد منها، لإتقانهم جميعاً وتعايشنا معهم أحداث العمل، وكذلك الملابس والديكور والمؤثرات السمعية والبصرية والاستعراض والديكور (حقيقة هو عمل فنى متكامل).
بثقة كبيرة أدعو من يثق برأيى لحضور هذا العرض الذى سوف يعاود الظهور فى السادس والعشرين من سبتمبر على مسرح السلام وموعد مع السعادة فى «حدث فى بلاد السعاده».. دمتم سعداء.