مأساة خطيرة شهدها مستشفى «ديرب نجم» بالشرقية أمس الأول، نتج عنها وفاة 3 مواطنين أثناء إجرائهم جلسة «غسيل كلوى»، وأصيب آخرون -تقدّرهم بعض التقارير بالعشرات- بغيبوبة. الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، توجهت إلى المستشفى عقب الواقعة، وقررت إحالة مدير المستشفى وكذلك مدير وحدة الغسيل الكلوى إلى التحقيق، فى حين أشار المتحدث الإعلامى باسم الوزارة فى مداخلة تليفونية عبر أحد البرامج التليفزيونية بأصابع الاتهام إلى الشركة المسئولة عن صيانة «أجهزة الغسيل».. يحدث هذا عقب الإعلان عن انطلاق المشروع القومى للمستشفيات النموذجية، ومن المثير أن مستشفى «ديرب نجم» الذى شهد مسرح هذه الكارثة يأتى ضمن المستشفيات المدرجة بالمشروع!.
التفسيرات الظاهرة لهذه المأساة تقول إن الفساد والإهمال هما السببان الأساسيان وراءها. تجليات الفساد يمكن أن يكشف عنها البحث وراء شركة الصيانة التى تعاقد معها المستشفى، أما الإهمال فقد تجلّى فى زيادة عدد ضحايا الكارثة، بسبب عدم الالتفات إلى ما أصاب الضحية الأولى بعد الدخول إلى جلسة الغسيل، ناهيك عن التباطؤ فى إسعاف مَن تأثروا بوحدة الغسيل القاتلة. التحقيقات فى هذه القضية قد تكشف عما هو أكبر من ذلك، وعن أطراف أخرى غير المسئولين بالمستشفى شاركوا فى عملية القتل الرخيص لمواطنين. الفساد فى مجال الصحة مؤسس، ويعتمد فى الأغلب على تشكيلات عصابية، قد لا يكون نشاطها مقتصراً على مستشفى «ديرب نجم» وحده بل قد يمتد إلى غيره، وقد كنت أتوقع أن تكون أول خطوة تتخذها الوزيرة بعد وقوع المأساة هى مراجعة تعاقدات شركة الصيانة، فليس من المستبعد أن تكون متعاقدة مع مستشفيات أخرى تابعة للوزارة.
هل تذكر قضية أكياس الدم الفاسدة التى كان بطلها واحداً من أعضاء مجلس الشعب؟. لقد بدأت أحداث القضية عام 2008 ووصل ملفها إلى واحد من أكبر رموز القضاء المصرى وهو المستشار العشماوى، وانعقدت عدة جلسات ساخنة للمحاكمة، لكن فجأة أُعلن أن المستشار يرقد فى أحد المستشفيات فى غيبوبة، ليلقى وجه ربه آمناً مطمئناً بعد ذلك. فى عام 2009 قضت المحكمة بحبس المتورطين فى قضية أكياس الدم الفاسدة بزعامة عضو المجلس الموقر!. وبعدها تم الإفراج عن عضو مجلس الشعب، اعتماداً على تعديل تشريعي!. من يقرأ حيثيات الحكم الخاص بهذه القضية يعلم أنه لا جديد تحت شمس الفساد فى مصر، تتغير الوجوه لكن أصول وقواعد وخطوات اللعبة واحدة، وما أعمق التشابه بين اللاعبين المشاركين فيها.
نتعشم أن يكون هناك اختلاف فى التعامل مع المأساة الجديدة، وأن ينال مَن تسببوا فى إزهاق هذه الأرواح جزاءهم العادل، أياً كانت مواقعهم أو مكانتهم. وحقيقة الأمر فإن أول مسئول يجب أن يحاسب هو وزيرة الصحة نفسها، فهى المسئولة عن اختيار مديرى المستشفيات، وبالتالى فهى شريك فيما حدث مع مدير مستشفى «ديرب نجم»، ناهيك عن مسئوليتها السياسية كوزيرة. هذه خطوة أولية وضرورية لا بد من اتخاذها حتى يشعر المواطن بأن هناك جدية فى حساب المسئول عن هذا النوع من القتل الرخيص.