يوم السبت الماضى قررت محكمة النقض رفض الطلب المقدم من الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه للتصالح فى قضية القصور الرئاسية المعاقبين فيها بحكم باتّ ونهائى بالسجن والغرامة. كان فريد الديب محامى الأسرة المباركية قد تقدم بطلب التصالح بهدف رفع الآثار المترتبة على الحكم. ولعلك تعلم أن أخطر هذه الآثار يتعلق بحرمان الثلاثة من مباشرة الحقوق السياسية سواء بالترشح أو التصويت فى الانتخابات.
تشهد هذه الواقعة أن السياسة ما زالت حاضرة فى تفكير مبارك ونجليه. الأمر يبدو طبيعياً، فمن يلعب فى دنيا الاقتصاد تلزمه السياسة. والزواج بين السياسة والمال كان سمة أساسية من سمات الحكم فى عصر «مبارك». والمتابع لتحركات أفراد الأسرة التى حكمت مصر يلاحظ أنها أصبحت تميل خلال الأشهر الأخيرة إلى «الظهور العام» بصورة تختلف كل الاختلاف عما كانت عليه الحال بعد ثورة 25 يناير 2011. فبعد الثورة كانت الدعوات المطالبة بمحاكمة مبارك ونجليه على ما وجه إليهم من اتهامات جنائية وسياسية واقتصادية تدوى فى كل اتجاه. وقتها لاحظ الجميع أن مبارك ورجاله يعامَلون أحسن معاملة. هذا ما كانت تنقله كاميرات التليفزيون. وقد بلغ الأمر حد السماح للرئيس السابق ووزير داخليته بإلقاء كلمات داخل المحكمة تم نقلها على الهواء مباشرة عبر شاشات التليفزيون.
بالتزامن مع هذا الكرم الحاتمى فى التعامل مع مبارك وآله، لم تتوقف وسائل الإعلام عن نعت ثورة يناير بكل قبيح، ووصل الأمر إلى حد اتهام كل من شارك فيها بالتآمر على البلاد والعباد، دون تفرقة ما بين جماعة أو مجموعة انتهازية ركبت ثورة الشعب، وبين ملايين المواطنين الذين خرجوا هاتفين ضد التأبيد والتوريث والفساد والاستبداد. وكلما كانت الهجمة تشتد على ثورة يناير كانت مساحات الحركة بالنسبة لمبارك وآله وأبناء عصره تتسع أكثر وأكثر حتى أصبحوا نجوم الصور السيلفى على مواقع التواصل الاجتماعى، وتمدد الأمر بعد ذلك إلى طرح آرائهم ووجهات نظرهم فى طريقة التعامل مع بعض المشكلات.. التطور بدا طبيعياً للغاية، وكان لا بد له أن يحدث.
فالمقدمات لا بد أن تفضى إلى نتائج.. وضرب يناير كمقدمة لا بد أن يؤدى إلى صعود ما قبلها، وهو ما حدث بالفعل.
دعنى أذكرك بالعبارة التى قلتها لك فى البداية «السياسة ما زالت حاضرة فى تفكير مبارك ونجليه». وهناك قطاع من المصريين يتباكى على أيام مبارك، رغم أن كثيراً مما نعانى منه حالياً هو حصاد هذه الأيام. وهناك أيضاً فلول النظام المباركى المنتشرون فى كل اتجاه، ومؤكد أنهم مستعدون لتقديم خدماتهم للأنجال القادرين الآن على التحرك والذهاب فى كل اتجاه. فى كل الأحوال نحن لا نعرف كيف سيتصرف فريد الديب محامى أسرة مبارك أمام الحكم الأخير الذى أصدرته محكمة النقض.
وقد تكون الأيام المقبلة حبلى بأحداث جديدة.. المهم أن نستوعب حقيقة أن العلاقة بين بورصة الاقتصاد وبورصة السياسة أساسية!