زمان كان الكبار ينصحون بعضهم بعضاً بالقول: «ما تعملش عقلك بعقل عيل». وعند الرغبة فى تسفيه تفكير شخص ما كان يوصف بأن عقله «عقل عيال»، يعنى يفكر كما يفكر الصغار. هذه النصائح التى توارثناها جيلاً بعد جيل تختفى وراء ستائر النسيان هذه الأيام. علاقة الكبير بالصغير لا بد أن تتأسس على الصفح والاحتواء والإقناع بالعقل والمنطق، ذلك ما يؤدى إلى خلق علاقات اجتماعية صحية بين أفراد المجتمع، أما التعامل الفظ والغليظ والقائم على الاستعلاء مع الصغار، فلا يبشر بخير، لأنه لم يحدث أن دخل صغير مع كبير فى معركة إلا غلبه، ومن هنا تبدو الحكمة فى النصيحة الموروثة: «ما تعملش عقلك بعقل العيال». وإذا كان ثمة عذر من الممكن أن نلتمسه للصغير، بسبب قلة النضج أو الاندفاع الناتج عن طبيعة المرحلة العمرية، فأنى لنا أن نلتمس العذر للكبير المفترض فيه العقل والاتزان؟.
عندما تجد شباباً مستفزاً، ويعبر عن استفزازه بألفاظ نابية لا تليق، فلابد أن تعاتب هذا الشباب وتوجهه، هذا أمر لا خلاف عليه، لكن الأهم من ذلك أن يعالج الكبار أسباب الاستفزاز، بدلاً من أن يدخلوا فى حالة عناد مع الصغار ويلوّحوا لهم بالعصا ويتهموهم باتهامات جائرة لمجرد الكيد والتشفى. الشباب مطالب بتوقير الكبير هذا أمر واجب، لكن الكبير مطالب أيضاً برحمة الصغير. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا». الرحمة هنا لا تعنى «تجنب الأذى» فقط، بل يمتد معناها إلى ما هو أوسع، فهى تعنى أيضاً عدم التغاضى عن أوضاع يجدها الشباب مستفزة، ويشاركهم فى هذا الإحساس قطاع كبير من الكبار. جزء من الرحمة مع الصغير يتمثل فى علاج الأوضاع والمواقف والسلوكيات التى تستفزه من جانب البعض!. أما السكوت عليها فلا يعدو أن يكون إغراءً للصغار بالتعبير عن غضبهم بسلوكيات منفلتة غير مأمونة العواقب. الكبير يعرف كيف يبتلع لسانه فى حلقه، لكن الشباب مندفع، ومهما بالغنا فى كبته، فإنه ينطلق مغرداً بما يريد بمجرد أن تتاح له الفرصة.
سيف الشباب غدار.. لن يستطيع الكبير أياً كانت قوته أن ينتصر فى معركة مع صغير. الشباب يستطيع أن يباغت، والعاقل من يعرف كيف يعلم الشباب استخدام العقل. المجتمع الذى يعاند شبابه هو بالضرورة مجتمع يحتاج إلى مراجعة أحواله. عقلنوا الأمور للشباب، لأننا نعيش زمناً لا سلطان فيه إلا للعقل. أى حديث عن «السمع والطاعة» غير القائمة على الفهم هو حديث خارج الزمن. التفكير القائم على السمع والطاعة لا ينتج إلا عناصر متطرفة. ولكم فى العناصر الشبابية المنضمة إلى الجماعات الإرهابية مثال ونموذج. شباب اليوم يختلف عن الأجيال السابقة، فهو فى الأغلب متحرر من سلطة الأب، وبرىء من سلطان المعلم. نحن أمام جيل منفتح على العالم بأسره، يستطيع أن يلتقط المعلومة من كافة الاتجاهات، إنه يقبل ويرفض طبقاً لعقله ومنطقه الخاص فى الإقناع والاقتناع. الزمان اختلف.