أساتذة وأطباء يتحدثون عن المهنة و«الثوب الأبيض»
طبيب - صورة أرشيفية
عن المهنة والوزارة
هناك مشاكل كثيرة فى مهنة الطب وتنحصر المشاكل فى محورين أساسيين، أولاً هى العملية التعليمية فلا توجد آلية لنقل المعرفة من جيل إلى جيل أو منهجية فى تعليم الأطباء وبالتالى ظهر عندك مستوى من الأطباء متدنٍ جداً، لا يوجد هيئة أو جهة تنظم عملية التعليم، وزارة الصحة مستوى الأطباء فيها متدن جداً لأنه لا توجد آلية لنقل المعرفة، من طبيب إلى آخر، ومستشفيات الجامعة هى الوحيدة التى لديها الإمكانية لنقل المعرفة والتعلم بين الأطباء، ولكن بالطبع غير كافية، والفرق بينها وبين مستشفيات وزارة الصحة ومستشفيات الجامعة هو وجود عمليات تعليمية بالأخيرة، وبها مدرس ومدرس مساعد وتدرج وظيفى، وتتم العملية من خلال أبحاث ودراسات ومن خلال عمله فى المستشفى، الذى يعمل به بشكل دائم، يعنى لا تجد نائباً «يشتغل بره» أو فى مستشفى خاص أو تجد مدرساً مساعداً لديه عيادة خاصة ويعمل فيها، فلم يرق بمستواه إلا بوجوده الفعلى والعملى فى المستشفى الكبير تحت إشراف أساتذة على مستوى عال وكم كبير جداً من الحالات يقوم بعلاجها، وبالتالى يحسن مستواه بشكل كبير، فيما عدا ذلك لا يوجد مستوى للأطباء فى مصر.
المحور الثانى وهو الأهم تنظيم ممارسة المهنة، ومن الجهة التى يعمل الطبيب بها، وزارة الصحة هى أساس المشكلة والمعضلة فى علاج مستوى الأطباء، إن وزارة الصحة تقدم الخدمة والعلاج وهى نفسها التى تراقب على الخدمة، فلا بد أن تقوم الحكومة بدور الجهاز الرقابى والمنظم للخدمة، فيجب أن تنسحب وزارة الصحة من أداء الخدمة الصحية، والأمر هو فصل الجهة التى تراقب عن الجهة التى تقدم الخدمة للارتقاء بالمستوى، والسؤال هو إذا كانت وزارة الصحة التى تقدم الخدمة، فمن الذى يقوم بدور الرقيب ليتأكد من أنها تؤدى الخدمة بالشكل الصحيح؟ فهذا يعوق التقدم والارتقاء.
أتحدث عن مبادئ علم الإدارة بفصل الجهة التى تقدم الخدمة عن الجهة التى تراقب، وإذا كنا هنا فى مصر لدينا جهة واحدة تقدم الخدمة وتراقب عليها فهذا فشل ذريع، نفس المبدأ فى التعليم، وزارة التعليم هى التى تعلم وهى التى تراقب على العملية التعليمية، وهذا سبب تدنى التعليم، تجد الموجه فى وزارة التعليم يراقب على مدارس وزارة التعليم، لكن إذا كان يراقب على مدارس خاصة، ستجد هناك فرقاً، فمبدأ الفصل بين الجهة التى تؤدى الخدمة والجهة التى تراقبها هو نظام إدارة موجود فى كل دول العالم المتقدم ومتبع منذ عقود طويلة.
بهذا النظام وبهذه الإدارة ستجد أن وزارة الصحة عليها الكثير من المهام الرقابية إذا تركت دورها الخدمى، لأن سيكون هناك أدوار رقابية على المطاعم ومياه الشرب والصرف الصحى وكل مسببات الأمراض فى المجتمع، فدورها هو أن تمنع المرض وليس أن تعالج المرض بعدما يحدث، فالمستشفيات فى الخارج إما تابعة لشركات حكومية أو مستشفيات خاصة أو تابعة للكنائس، فيما تقوم وزارة الصحة بدور الرقابة عليها والرقابة على كل مناحى الحياة التى يعيشها الإنسان لدراسة مخاطر تعرضه للمرض ومنعه قبل حدوثه.
الدكتور حسنى صابر
استشارى جراحة العظام
بين العملين: الخاص والحكومى
زيادة عدد السكان أثرت بالسلب على عدد الأطباء الذين يتخرجون كل عام بعدد معين فى الجامعات المصرية، بسبب قبول العدد ذاته لكل عام، فضلاً عن عدم توفير التدريب للطلاب بشكل عملى يتناسب مع طالب كلية الطب، كما أن مكانة الطبيب المصرى تراجعت فى الفترة الأخيرة، بعد أن كان مثالاً يعتز به العالم.
السبب الرئيسى فى تراجع مكانة الطبيب فى الفترة الأخيرة هو تدنى المرتبات المالية، وقيام الكثير بالاتجاه إلى العمل الخاص، واتخاذ تكليفات المستشفيات من أجل العمل الحكومى، رغم المدة التى يقضيها بعض الخريجين حديثاً فى محافظات خارج نطاقهم الجغرافى، فأنا حين تخرّجت عام 1978، وكنت أتقاضى حينها 16 جنيهاً، كانت تليق إلى حدٍّ ما بطبيب، لكن الآن المرتبات أصبحت لا تتناسب مع حياة طبيب حديث التخرج وفى بداية حياته، فبعد 19 عاماً من التعليم يكون نصيبه مرتباً ضئيلاً يصل فى بعض الأحيان إلى 1500 جنيه.
كما أن المستلزمات الطبية داخل المستشفيات الجامعية كانت تتوافر، لكن بسبب كثرة المرضى عجزت وزارة الصحة عن توفيرها، فبعد أن كان من 20 سنة 30 ألف مريض، حالياً أصبح 3 ملايين مريض، وبحكم العمل الجامعى، وخلال فترة القسم، قدمنا عدة مقترحات من أجل توفير كل السبل للطلاب حديثى التخرج، حتى يستطيعوا التعامل بطرق حديثة مع المرضى، لأنهم جميعاً يتمنون التخرج وعودة الحياة الطبية كما كانت، وذلك لن يعود إلا عن طريق رفع رواتب الأطباء وتوفير المستلزمات الطبية والأجهزة حتى تواكب العصر الحالى.
منذ فترة ليست طويلة، لم يكن هناك علاج لبعض الأمراض، ولم يكن هناك عمليات «أطفال الأنابيب» والكثير من الأمراض لم يكن لها علاج، لكن بعد تغير الحال، وتوافر العلاج لتلك الحالات، لا بد من توفير الإمكانيات والأجهزة لطلاب كليات الطب ليستطيعوا استعادة مكانة الطبيب المصرى كما كانت.
الدكتور كمال عبدالحميد
رئيس قسم النساء والتوليد بجامعة المنيا سابقاً
الثوب الأبيض والدنس
فى السنوات الأولى من الدراسة بكلية الطب، كنا فى الأنشطة الطلابية، نقوم بنشاط أطلقنا عليه «أسبوع الشفاء»، أكثر ما كان يُسعدنا، فضلاً عن الحصول على كشوف مجانية لطلبة الجامعة وأهاليهم، هو استقبال أساتذتنا الحفى بنا فى عياداتهم الشخصية، وهم ينادوننا بلقب دكتور، لنتخيل مدى السعادة والحماس لدى طالب طب فى سنواته الأولى، والذى يصنعه أستاذ طب عملاق يسعى الخاصة من فئات لها قدرها لأن يحددوا موعداً قريباً للقائه، عندما يحتفى به ويثنى على نشاطه ويشاركه فيه.
رأيت وسمعت أثناء العمل النقابى أطباء يحاولون كل جهدهم منع زملائهم من التدريب والتعليم لمهارات تعلموها هم، اعتقاداً منهم أنهم قد ينافسونهم فى العمل، وآخرين يوجهون المرضى لإجراء تحاليل وفحوصات إلى أماكن بذاتها، ليس لأنها الأفضل، بل ليتربحوا نسبة من تكاليف تلك الفحوصات، وغيرهم من يتجاهل أن المريض الذى يناظره بعيادته هو طبيب حتى لا يعيد له ثمن الكشف، فضلاً عن فوضى إعلانات الأطباء عن أنفسهم بمواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات، واستخدام ألقاب وتخصّصات ليست لهم، وهناك آخرون يتعمدون إظهار عيوب زملائهم الذين سبقوهم فى الكشف على مرضاهم.
ليست لدىّ دلائل على تأثير الزمن فى ظهور تلك النقائص، وهل هى موجودة منذ القدم أم لا؟ ربما تعمّد الإعلام إظهار المساوئ هو ما أوحى بحداثتها وكثرتها. لكننى أثق فى ضمير كل طبيب، من وجود الجانب الإنسانى الذى دفعه لاختيار كلية الطب، لدراسته عن مجال آخر يحقق ويهتم بالجانب المادى فقط.
بالقطع، من حق الطبيب مستوى مادى واجتماعى متميز، كما من حقه الانتماء إلى فئة متساندة متكاتفة تعى واجباتها نحو المجتمع ونحو بعضها. من حق الطبيب أن يكون له زميل يعى ليس فقط آداب المهنة، بل كذلك أخلاقيات الزمالة من أن يؤازره إن اجتهد فأخطأ، ويقومه إن عدل فأهمل، من واجبنا وحقنا أن ننفض الدنس عن الثوب الأبيض.
د. أحمد حسين
طبيب الأمراض النفسية وعضو نقابة أطباء مصر