كان العالم يحتفل فى 11 أكتوبر الحالى بـ«اليوم العالمى للفتاة»، وهو اليوم الذى أقامته منظمة الأمم المتحدة فى عام 2012، لتسليط الضوء على التحديات التى تواجه الفتيات فى مختلف أنحاء العالم.. بينما نحن نحصد ما قدمناه للفتاة المصرية فى نفس الأسبوع تقريباً؟
ألقى الدكتور «عبدالحميد الأطرش»، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، فى وجوهنا، بفتوى شاذة تجرد كل فتاة مصرية من «أنوثتها» وإنسانيتها، وقرر أن يسير عكس التيار الذى يتبناه النظام بأكمله، وقال: «إن ختان الإناث يجوز فى حالة إذا كان البظر كبيراً، يصبح من الضرورى تهذيبه، بينما إذا كان صغيراً فهو لا يحتاج إلى ختان»، مؤكداً أن «ختان البظر الكبير يخفض من الشهوة الزائدة للمرأة ويحميها من الوقوع فى المعاصى»!
وباستثناء بعض المقالات، لم يصدر «الأزهر» بياناً للرد عليه فيقول إن «الختان» ليس سنة ولا فرضاً، ثم كانت المعركة الشهيرة الموثقة بمركز الوقف فى قنا، بالمحضر رقم 3381 جنح مركز الوقف لعام 2018، وفيها يتبادل الزوجان الاتهامات حول قيام الطرف الآخر بإجراء عملية الختان للابنتين «بسملة»، 12 عاماً، و«روان»، 10 سنوات.. ويطالب كلاهما بتطبيق القانون على الآخر.. ولا أحد يدرى إن كان صراعاً عائلياً تم استخدام الفتيات خلاله، أو -كما نتمنى- بداية وعى مجتمعى بخطورة ختان الإناث!
كانت الفتاة المصرية، فى ذلك اليوم العالمى، لا تزال عاجزة عن تحقيق طموحاتها وإثبات قدراتها، فى ظل مناخ سلفى تأثر بالتيارات الوهابية والسلفية التى ظهرت فى سبعينات القرن الماضى، ولا يزال يجد المدد من مبررات القهر والعنف المعنوى والجسدى ضد النساء، فى أبواق الجماعات السلفية على الإنترنت، وفى أفكار الأحزاب الدينية، ومن على منابر المساجد وبعض المنابر الإعلامية!
لم تعد ثقافة: «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24» هى المسئول الأوحد عن «سلطة الأب»، التى يجلد بها ابنته تحت زعم «التربية»، ويحولها إلى كائن مسلوب الإرادة فاقد القدرة على تحديد بوصلة توجهاته، بل أصبحت مبرراً لـ«زواج القاصرات»، وسعى بعض نواب الشعب لتقنين تلك الجريمة، حتى أصبحت «القاصر» مجرد سلعة تباع فى سوق النخاسة المعروف بقرية «الحوامدية»، بشهادة تسنين وورقة زواج عرفى، فتحولت وصاية «الولى الشرعى» إلى مشروع استثمارى فى القرى الفقيرة!
إنها الفتاة المصرية، التى وقفت فى وجه الديكتاتورية والاستبداد والظلم، وتصدت بصدرها للرصاص الطائش لكى تحرر البلاد من الفاشية السياسية والدينية فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ثم وقفت فى طوابير الانتخابات والاستفتاءات، لترسم ملامح مستقبل مصر كما تحلم به، وهى الفتاة التى ستجدها بعد أيام تخاطب العالم بأكمله من شرم الشيخ، تنظم وتشارك فى فعاليات «منتدى شباب العالم».. لكنها هى نفسها الفتاة التى لا تملك استخراج «جواز سفر» إلا بموافقة ولى الأمر أو الزوج!
هى التى يحكمها مجتمع ذكورى متخلف يسلمها للزوج ومعها فتاوى «ضرب النساء والاغتصاب الزوجى»، ويسمح لإخوتها الذكور بالاستيلاء على ميراثها.. وقد يحرمها فى الريف الحق فى التعليم أو العمل أصلاً لمجرد أنها «أنثى».. وكأنها تسكن الخانة الدنيا من الإنسانية.
فى «اليوم العالمى للفتاة» قررت وزيرة التضامن الاجتماعى، الدكتورة «غادة والى»، التنازل عن منصبها ليوم واحد فقط لصالح الفتاة «مى صلاح»، صاحبة الـ23 عاماً، كرمز لتوجه الدولة نحو تدعيم المرأة وتمكينها.
لكن تمكين المرأة يحتاج إلى صحوة شاملة فى مجال حقوق الإنسان والتعليم والتشريع، يحتاج ثورة ثقافية ومجتمعية تضمن للمرأة مكانتها، وتحقق لها غاياتها، وتحميها من التعصب والتحرش والجهل والعنف.. إلخ أجندة القهر.
فتقارير منظمة الأمم المتحدة تشير إلى وفاة فتاة كل عشر دقائق فى مختلف ربوع العالم، بسبب ممارسات العنف والاضطهاد بحقهن. وتأتى أفريقيا ودول العالم الثالث فى المقدمة.. هذا حصاد فتيات العرب، فربما وجب علينا أن نبكى من أجلهن بدلاً من السير فى «زفة عالمية» لسنا من المدعوين فيها.