عيون المحب لا تكذب بل ترى ما لا يراه الآخرون، عيون المحب حنونة ورقيقة ومعطاءة وناعمة وتغفر وتفخر بالمحبوب وتمنحه جمال العالم كله ونور الشمس وضى القمر وسحر الليل وروعة الغروب ونسمة الفجر الرقيقة ورائحة فنجان القهوة الصباحية ومذاق الحلوى التى تسبق أول رشفة منها وتختلط بها فتقضى على أى نوع من المرارة فى الفم أو التوتر أو القلق، عيون المحب تنافس وتتفوق فى دقة وحدة إبصارها على أقوى عدسات النظر وعلى العدسات الملونة، التى تغير المشاهد الطبيعية للوجوه والنظرات والإيماءات والرسائل البصرية ونظرات الحب والإعجاب أو الشماتة أو التأنيب أو التعنيف أو التهديد أو الطمأنة، عيون المحب ترى ما لا تستطيع عدسات أحدث الميكروسكوبات اكتشافها وحتى أجهزة الأشعة التى تفرغ الجسد الإنسانى تماماً وتحوله إلى خيال مرعب أو مضحك أو مريض بأبشع الميكروبات أو ما يشبه الكاريكاتير، وذلك طبقاً للحالة المزاجية لمن يراه ويتفحصه ويقرأه ويبحث فى تاريخه المرضى، وللحديث عن الأحباب قانون وطقوس خاصة جداً، وضعها لنا (كيوبيد) ذلك الملاك الذى نرمز به للعشق والهوى ذو الجناحين والقوس الذى يحمله على ظهره ليصيب بسهمه المحبين، وتقول الأساطير إنه ابن الآلهة فينوس وكثيراً ما يصورونه كملاك أعمى رمزاً للحب الذى يصيبنا ولا يترك الفرصة للاختيار وليؤكدوا صحة المثل الشعبى (مراية الحب عمياء)، أحدثكم الْيَوْمَ أحبتى عن أعظم حب عشته منذ طفولتى وحتى الآن، عن أجمل حبيبة رغم أنها أحياناً تقسو علينا إلا أن حبها باق لا يتغير ولا يترك مكانه أبداً، أحدثكم عن تلك التى احتضنت آل البيت وكرمتهم حتى الآن، فنذهب إليهم تبركاً وفرحاً ولهفة وسعادة، أحدثكم عن صاحبة إحدى عجائب الدنيا السبع، ومن تملك النهر الذى يعود إليه كل من شرب من مائه، والذى يجمع الأحباب حوله كل مساء، ويشهد على حفلات الزفاف للبسطاء الذين لا يملكون رفاهية إقامة حفلاتهم فى قاعات فنادق الخمس نجوم، أحدثكم عمن أنجبت صاحب أشهر القصص الذى جمع أبطاله حوله يثرثرون بما يؤلمهم وما تضمه جراحهم فكانت رائعته (ثرثرة فوق النيل)، أحدثكم عن صاحبة أجمل شمس فى الشتاء، التى ضمت بين جبالها المقابر الملكية والمعابد الفرعونية ورسمت على صخورها بطولات ملوكها القدامى، أحدثكم عن صاحبة قناة السويس التى جاء ملوك أوروبا ليشهدوا حفل افتتاحها ويشاهدوا الإعجاز والإبهار والنجاح الذى تم بدماء أبنائها وعرقهم دون تذمر أو رفض، فقد اعتادوا أن يعطوها ما يملكون، أحدثكم عمن حطم أبطالها أسطورة الجيش الذى لا يقهر عندما عبروا القناة حاملين فوق أكتافهم ما يقترب من وزن أجسادهم معدات ليرسموا البسمة والفرحة على وجوه أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم، أحدثكم عمن أنجبت توفيق الحكيم ونجيب محفوظ صاحب نوبل وأحمد شوقى وبيرم التونسى وإبراهيم ناجى وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وسيدة الشاشة العربية والسندريلا ورفاعة الطهطاوى وقاسم أمين وزكريا أحمد وسعد زغلول وأم المصريين، أحدثكم عمن خرجت فتياتها من أشهر مدرسة ثانوية للبنات يطالبن بالاستقلال جنباً إلى جنب مع طلبة الخديوية والسعيدية، أحدثكم عن حبيبتى التى ولدت فيها وسرت فى شوارعها الصغيرة أبحث عن هدية من خان الخليلى لأمى فى عيدها وزّرت فيها مسجد السيدة زينب لأدعو لابنى بالسلامة وأضع النقود فى صندوق النذور وأبحث عن (أم دعاء) بائعة الفاكهة المبتسمة السعيدة الجالسة على الطريق دون ضجر أو ملل و(عّم أحمد) بائع الخبز والفول فى رمضان وأكياس العرقسوس وأشهر صانع للكنافة فى الدول العربية وموائد الرحمن وأذان الفجر وصلاة الجمعة، أحدثكم عن أم الدنيا، التى ذكر اسمها فى القرآن الكريم خمس مرات، أحدثكم عن أمى مصر فأقول للمعترضين والمتذمرين خدوا عينى شوفوا بيها.