عكس الجدل الذى أُثير أخيراً حول مسألة مجانية التعليم حجم الطرافة التى أصبح يمتاز بها الحوار بين الحكومة والشعب. كل طرف منهما يتهم الآخر ويحاول أن يُحمله المسئولية عن وجود المشكلات. وزارة التربية والتعليم تتهم المواطن بدفع «فلوس أد كده» فى الدروس الخصوصية، والناس تعلق على مواقع التواصل قائلة: «نلجأ إلى سناتر الدروس الخصوصية بسبب تدنى مستوى الخدمة التعليمية فى المدارس». الطرفان محقّان فى زعمهما، لكن كل طرف يكتفى بذكر جزء من الحقيقة ويطمر أكثرها تحت بحر المغالطات.
تقول بعض التقارير إن حجم ما تنفقه الأسرة المصرية على الدروس الخصوصية يبلغ 30 مليار جنيه. فالنسبة الأكبر من دخل الأسرة أصبحت تتوجه إلى الدروس، ناهيك عن المدفوعات التعليمية الأخرى التى تقل أو تزيد تبعاً لنوع المدرسة ومستواها الاقتصادى والاجتماعى، ولا أقول «التعليمى»، لأن المدارس الخاصة تتعادل مع الحكومية فيما يتعلق بتراجع مستوى الخدمة. الحكومة تنظر إلى المبلغ المخصص للدروس الخصوصية وترى أنها أَوْلى به، وأن الأجدر بالمواطن أن يدفعه نظير تعليم أبنائه فى مدارس الدولة. كلام طيب، ولكن بحسبة بسيطة نستطيع أن نقول إنك لو قسمت الـ30 ملياراً المخصصة للدروس الخصوصية على 20 مليون تلميذ بالمدارس المصرية فسيكون نصيب التلميذ الواحد من هذا المبلغ 1500 جنيه، فهل هذا المبلغ هو ما تريده الحكومة من المواطن حتى تعطيه خدمة تعليمية تغنيه عن الدروس الخصوصية؟. أظن أن غالبية الأسر ترحب بدفعه لو أدى ذلك إلى تحللهم من أعباء الدروس. رقم آخر يصح أن نأخذه فى الاعتبار يتعلق بالموازنة التى تخصصها الحكومة للتعليم والتى تتجاوز الـ100 مليار جنيه. نفترض أنها 100 مليار ونقسم هذا المبلغ على 20 مليون تلميذ، سنجد أن النتيجة تقول إن نصيب التلميذ الواحد 5000 جنيه.. والسؤال: هل تنفق الحكومة هذا المبلغ على التلميذ؟.
أنتقل بعد ذلك إلى المواطن الذى يشتكى من سوء الخدمة التعليمية بالمدارس. علينا أن نواجه أنفسنا بصراحة ونقول إن المواطن يريد لأبنائه الشهادة ولا يعتنى إلا قليلاً بمسألة التعليم. والدليل على ذلك الإقبال الكبير على الدروس الخصوصية التى تعلم التلميذ كيفية الإجابة على الامتحان، ولا تنشغل بالتعليم، فالمهم فى الأول والآخر هو الدرجة التى سيحصل عليها التلميذ حتى يقال على هذا المدرس إنه قرصان الفيزياء، وعلى آخر سيبويه اللغة العربية، والثالث هولاكو التاريخ، وغير ذلك. وزارة التعليم تريد أن تحتكم إلى القانون الذى يمنع الطالب المتغيب عن المدرسة بعدم دخول الامتحان.. فما رد فعل الناس؟. إنهم يصابون بأقصى درجات الغضب والضجر بسبب هذه القرارات، رغم أن الذهاب إلى المدرسة هو الأمر الطبيعى، والتغيب أمر لا يتفق مع أى مفهوم تعليمى فى أية دولة من الدول التى خلقها الله. المواطن يكذب على نفسه عندما يتحدث عن سوء الخدمة التعليمية بالمدارس، لأنه من المؤمنين بمقولة إن مصر «بلد شهادات».. المواطن يؤدى كما تؤدى الحكومة بالضبط، والحكومة تؤدى مثل المواطن. وهو أمر طريف، لكن الأطرف من ذلك أن يكون العنوان الذى يشغل الطرفين هو «مجانية التعليم».. وهو فين التعليم عشان يبقى مجانى ولّا بفلوس؟!.