كالطفل الساذج الغر، وقفت المدعوة صفاء الهاشم، تفرز من جوفها حبات رفيعة من الحصى لتقذف بها الهرم الأكبر، فى رغبة طاغية لهدمه، كما صور لها خيالها الطفولى الصغير.. لن أتحدث عن إهانتها وزيرتنا الهادئة الخلوقة العظيمة نبيلة مكرم، فمن يستطيع إهانتها لا بد أن يكون قدر قامتها، والإهانة من الصغير تثير الشفقة، ولا تثير الغضب.. ولن أتحدث عن فهمها وجود العمالة المصرية على أرض الكويت، وكأنها تتحدث عن متسولين يهرولون خلف الأشقاء، طلباً لمعونة أو طمعاً فى صدقة، وكأن المصريين العاملين فى دولة الكويت، ليسوا أطباء ومهندسين ومعلمين وقضاة ومستشارين.. لن أتحدث عن معايرتك للمصريين بسبب وفاة الفتاة المصرية، نتيجة حادث عنصرى كريه، حدث فى لندن، وأنت تقطرين فى حديثك حقداً وعنصرية.. لن أتحدث عن تفاخرك بعضويتك للبرلمان الكويتى، وكذبك فى أنك تتحدثين باسم الشعب الكويتى، بينما الذين أدانوا حديثك المعتوه من الأشقاء فى الكويت أكثر كثيراً من المصريين وأشد وأعنف.
وقفت أمام منصة من الخشب والبلاستيك، تتحدثين لتوهمى الجميع بأنك تتحدثين من أمام منصة البرلمان، وهو زيف وخداع يقترب من العبط.
يا صفاء، كرامة المصريين، وبخاصة المرأة المصرية خط أحمر رغماً عن أنفك، وهذا الحديث صريح وواضح، لا هو غمز ولا لمز يا صاحبة الحديث الذى تتخيلينه سياسياً، وهو لا يعدو أن يكون «ردح» و«فرش ملاية»، وأظنك تفهمين ما أعنى، بما أنك ملمة بالأمثال العامية المصرية القديمة قدم التاريخ الطويل.. تتحدثين عن الصحافة غير الموجهة فى الكويت، غمزاً ولمزاً على نظيرتها الموجّهة فى مصر!!
يا مسكينة، ألا تعلمين أن الصحافة وُلدت فى مصر قبل أن يولد أجداد أجدادك على أرض فلسطين، وأن كاتبة هذه السطور تكتب فى الصحافة المصرية منذ عشرين عاماً سطوراً معارضة، ولم يُمنع لها مقال، ولم يحذف لها سطر واحد؟
لن أتحدث بصفتى نائبة فى البرلمان المصرى الذى بلغ من العمر مائة وخمسين عاماً فى عام 2016.. لكنى سأتحدث «بحرية شخصية»، كما قال رئيس البرلمان الكويتى، مدافعاً عنك، بأن حديثك يعتبر «حرية شخصية».. لن أتحدث عن كل هذا اللغو الفارغ، لكنى سأتحدث فقط عن الدفاتر.. اسألى الكبار من شعب الكويت المخلص العظيم كيف كان أمراء الكويت يحبون ويجلون سعد باشا زغلول أيام ثورة 1919.. وكيف كانوا يقيمون الاحتفالات على أرض الكويت فرحاً بفوز «الوفد» فى الانتخابات، وبتولى النحاس باشا الوزارة المصرية، وكيف كانوا يعيشون مع أحداث مصر الوطنية يوماً بيوم.. الدفاتر يا صفاء تقول إنه فى عام 1944، وكنا فى أيام الحرب العالمية الثانية، والوطن مثقل بويلات الحرب وبمئات الآلاف من جنود الحلفاء على أرضه.. أرسلت الحكومة المصرية المدرسين والمدرسات والنظار والناظرات لتعليم أبناء الكويت، حاملين معهم الكتب والكراسات والأقلام هبة من شعب مصر، وكانت تكلفة السفر على الحكومة المصرية، وتكلفة الأجور والإقامة، مناصفة بين حكومة الكويت والحكومة المصرية.. الدفاتر يا صفاء تقول إنه فى عام 1954، ذهب إلى الكويت العلامة القانونى العظيم الدكتور عبدالرزاق السنهورى، ليضع لدولة الكويت دستور الدولة الذى تتفاخرين به الآن.. ووضع القانون التجارى والقانون الجنائى والإجراءات الجنائية والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع، وهى التى جُمعت فى ما بعد فى القانون المدنى الكويتى.. وهذه القوانين هى التى ستأتى بحق الفتاة المصرية، التى أشارك بشدة فى الدفاع عنها وعن كرامتها.
الدفاتر يا صفاء تقول إنه فى عام 1961، ذهب الفنان الأستاذ زكى طليمات، ليؤسس فرقة المسرح العربى الكويتى، ومعهد التمثيل الكويتى، وتولى من بعده العمل الأستاذ أحمد عبدالحليم المخرج المصرى العظيم.. الدفاتر يا صفاء تقول إنه فى عام 1990، عندما تخاذل العرب فى الدفاع عن الكويت، وأظنك وقتها كنت هاربة إلى السعودية، أو إلى مصر فى الأغلب، كان الجيش المصرى يحرر أرض الكويت برياً، وبدمائه تحررت وعادت إلى حضن الأشقاء، واحتفلت أنت وأهلك من الوافدين عندما جاءوا إلينا واحتضنتهم مصر فى قلبها الذى يسع الجميع بكل الود والمحبة.. هذه حكاية لن تقرأيها فى أى دفاتر.. فى عام 2012، ذهبنا إلى الشارقة، وشرفنا بمقابلة الرجل الرائع والوطنى العربى المخلص سلطان القاسمى، حاكم الشارقة، واستقبلنا فى قصره الجديد، وكان بجواره رجل أسمر اللون لا يفارقه.. عرّفنا عليه، وقال إنه من أسوان.. وقال كيف يحب المصريين، خاصة أهل أسوان، وقص علينا حكايات كثيرة عن شبابه الذى قضاه فى مصر أيام الدراسة الجامعية، وعن أصدقائه الذين ما زال على اتصال بهم، وأشار إلى قصره الجديد الرائع، وقال بكل إعزاز وفخر: لم تدخل لبناء هذا القصر أيادٍ غير مصرية قط.. وفى أيام السواد، وبعد حرق المجمع العلمى، أرسل إلى مصر أربعة آلاف كتاب نادر ومخطوط، بما فيها كتاب «وصف مصر» كاملاً، وبحالة ممتازة، وعندما جاء إلى مصر فى آخر زيارة، بحث عن بواب العمارة التى كان يقطنها أيام الجامعة، وقابله، ورد له الجميل، لأنه فى أيام الدراسة تأخرت النقود التى كانت تأتيه من الأهل، ولاحظ الرجل، فذهب إليه وعرض عليه تحويشة أيامه، وقدرها مائتا جنيه حتى تأتيه النقود من الأهل.. لم ينسَ هذا الفعل الذى قصه علينا وعيناه تدمعان.. هذا هو الرجل العربى، وكثير من مثله من أهل الكويت، ومنهم أصدقاء أعتز بهم كثيراً.. لكنك يا صفاء كالبذرة الشيطانية تبحث عن الأضواء والشهرة، على رأى المثل المصرى «الغجرية ست جيرانها».