كان الوزراء الثلاثة الذين سافروا إلى واشنطن للإعداد لزيارة الرئيس مبارك فى مارس ٨٥ هم المشير أبوغزالة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع للتحضير للجانب العسكرى فى الزيارة، ود.عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية لإعداد الشق السياسى خاصة موضوع الحوار الأمريكى- الفلسطينى وبذلك أدخلت مصر نفسها كشريك أساسى فى عملية السلام بالشرق الأوسط وراعٍ ووسيط أيضاً، ود.كمال الجنزورى وزير التخطيط لبحث المعونات الأمريكية الاقتصادية لمصر.. وتكررت زيارة مبارك لأمريكا فى سبتمبر من العام نفسه لحضور الذكرى الأربعين لنشأة الأمم المتحدة، وأرادت مصر من خلال تلك الجولات الخارجية أن تقدم قضيتها بشأن (طابا) دبلوماسياً وقانونياً على المسرح الدولى، ولكن حدث بعد شهر من زيارة مبارك لأمريكا أحداث أربكت المشهد تماماً وعرقلته وصار أكثر تعقيداً فى العلاقات الإقليمية، ففى أول أكتوبر ٨٥ قامت إسرائيل بشن عدوان جوى مُركز على مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية فى منطقة (حمام الشط) فى تونس، وكان الغرض تدمير المقر وقتل من فيه بمن فيهم (ياسر عرفات)، وأثار هذا الهجوم ردود فعل عالمية وعربية، وعبرت مصر عن استيائها عملياً من خلال العلاقات الثنائية مع إسرائيل واتخذت قرارين، الأول عدم استقبال وفد إسرائيلى لاستكمال مباحثات (طابا)، وثانياً رفض وزارة الثقافة طلب إسرائيل الاشتراك فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.. وقد كان هناك حادث آخر فى العام نفسه أثر على مجريات الأمور أيضاً وهو اختطاف الباخرة الإيطالية (أكيلى لاورو) بواسطة فلسطينيين، وقد بذلت مصر مجهوداً كبيراً لإنقاذ الركاب وتصفية آثار الحادث، إلا أن طائرات حربية أمريكية قامت باعتراض الطائرة المصرية المدنية التى كانت تقل الخاطفين الفلسطينيين إلى تونس وإجبارها على الهبوط فى أحد المطارات الحربية الإيطالية مما زاد الموقف تعقيداً، وقد أدت هذه الأحداث المتعاقبة بتأثيرها المباشر على الدبلوماسية المصرية عربياً وأمريكياً، ووضع حادث هذا الاعتراض الجوى ظلالاً على العلاقات بين البلدين بشكل خاص لفترة من الزمن ساد خلالها تساؤلات فى الشارع المصرى عن مستقبل العلاقات مع واشنطن، إلا أنه لم تلبث أمريكا طويلاً حتى قامت بتحركات لرأب الصدع وكان ذلك فى أواخر عام ٨٦ عندما قام جورج بوش، نائب الرئيس الأمريكى، بزيارة لمصر وقابل الرئيس مبارك لبحث أمرين، (مسالة طابا) وتحريك عملية (التسوية الشاملة بين العرب وإسرائيل)، وهو الأمر الذى يخص فلسطين وسوريا ولبنان، والذى تقوم القاهرة فيه بدور الشريك والوسيط، ومع أن زيارة بوش كانت تعتبر مهمة لعدة اعتبارات أهمها أنها الزيارة الأولى لمسئول أمريكى كبير لمصر بعد عام من تجميد العلاقات نتيجة للأحداث السابق ذكرها، وأيضاً لأنها جاءت فى وقت تعثرت فيه مباحثات (طابا) بين القاهرة وتل أبيب. وكان هناك جهد أمريكى قد سبق زيارة بوش مباشرة يهدف إلى توقيع اتفاق بالأحرف الأولى لـ(طابا) مع تبادل مجموعة من الرسائل والمذكرات والخرائط التى تضمنها الاتفاق المقترح كمَلاحق تتعلق بالنقاط المختلَف عليها بين مصر وإسرائيل ليتم النقاش حولها فى وقت لاحق، يشبه تجربة اتفاق (كامب ديفيد) فى بعض الموضوعات الخلافية بالنسبة للقضية الفلسطينية والتى جرت بالأسلوب نفسه بين كارتر والسادات وبيجن فى عام ٧٩، ولكن الجانب المصرى لم يوافق على هذا الاقتراح الأمريكى على أساس أنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق دون تعاريج سياسية.
ويتضح هنا أن أحداث عام ٨٥، التى كانت فى أعقاب زيارة مبارك لواشنطن، ما هى إلا إحراج لمصر على الساحة العربية، وهو الأسلوب المتبع من إسرائيل وأمريكا عندما تريد انتزاع موافقة ما من مصر، حيث حدث موقف مشابه مع الرئيس السادات عندما ضُرب المفاعل العراقى (أوزيراك) بعد ثلاثة أيّام من مقابلة تمت بين بيجن والسادات فى يونيو ٨١ بالقاهرة، فى كل الأحوال هذه الحيل العسكرية والسياسية من أمريكا وتابعتها إسرائيل لم تَخِل على مصر التى جمّدت ما عُرض فى تلك الزيارة، فى حين قام بوش بعد مقابلته لمبارك بتصريحات أدلى بها بخصوص الدعوة إلى إجراء مفاوضات مباشرة لعمل مؤتمر دولى للسلام، ورغم حدوث تطورين مهمين فى هذه الفترة وهما موافقة سوريا على التفاوض مع إسرائيل والموافقة المبدئية لواشنطن على مشاركة الاتحاد السوفيتى فى المؤتمر الدولى ولكن بشروط معينة هى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتسهيل هجرة اليهود السوفيت إليها، ورغم هذه التطورات التى تمت مناقشتها بين مبارك وبوش، فإنه لم يحدث تقدم ملموس فى الاتصالات بين مصر وأمريكا بسبب بعض العقبات الخاصة بالدور السوفيتى والتمثيل الفلسطينى ثم الموقف الإسرائيلى الرافض أساساً لفكرة المؤتمر الدولى..
(يتبع)