إذا كانت لدينا هرمونات الأنوثة والذكورة وچينات تحدد لكل واحد منا خريطة كاملة لحالته الصحية وما يمكن أن يتعرض له من أمراض فى مراحل حياته المختلفة، حيث استطاع أطباء التحاليل والأشعات إجراء بعض الأبحاث المتقدمة على الأفراد ليخرجوا من نتائجها بمعادلات طبية تشير إلى أنواع الأمراض التى سيتعرض لها الفرد، وليس ذلك فحسب بل إنهم يحددون أيضاً المرحلة العمرية، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك فقط فقد حصلنا مؤخراً على اكتشاف طبى هام وطريف وسعيد، لأنه يدعو لإطلاق المشاعر والتعبير عنها بحرية وصدق ويؤكد مدى احتياجنا الحقيقى لها منذ أول دقيقة لنا فى الحياة، فقد تحدث أحد الأطباء فى برنامج طبى تليفزيونى عن اكتشافهم لمادة يفرزها المخ فى لحظات الولادة لتستقر داخل الغدة النخامية وتساعد على حدوث انقباضات (عبقرية) للرحم، وصفها بأنها إعجازية ومن المستحيل أن يتدخل بشر لتتم وتسهل عملية الولادة بنجاح وتحافظ على حياة الجنين، وهذا بخلاف هرمون السعادة الذى يفرزه المخ أيضاً، وأكدت الدراسات التى خرجت من الجامعة الملكية بلندن عام ٢٠١٥ والتى تضمنت إحصائيات وأرقاماً لقياس كمية هذه المادة بالتجارب العلمية، أن هذه المادة تفرز عندما يشعر الإنسان بدفء الحضن الذى يحتويه وعندما يقوم الحبيب بالطبطبة عليه، سواء كان هذا الحبيب هو الأم أو الأب أو الزوج أو.. أو.
-أؤكد بالطبطبة- فالكلمة صحيحة، ويقول الأطباء إن حياة الجنين داخل الرحم تسعة أشهر هى هذا الفعل بالضبط، وعندما يخرج للحياة يترك لأمه مهمة إفراز الهرمون الذى منحها حق الحصول عليه بجدارة وامتياز، وقد تمت عشر دراسات فى الجامعات الأجنبية حول الحضن وفوائده نشرت فى الدوريات الطبية، حيث قام الأطباء بدراسة حالات المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية كبرى وقارنوا بين استجابة المرضى المحاطين بأقاربهم وقت الجراحة وبعدها والآخرين الذين لا يجدون أحداً حولهم يضمهم أو يتعاطف معهم، فكانت النتيجة أن من أحيطوا بالرعاية النفسية والحب كان إحساسهم بالألم أقل وقدرتهم على الشفاء أسرع، كما اكتشفوا أيضاً أن الجلد البشرى غنى بما يمكن أن نقول عنه (مستقبلات) وأطلقوا عليها اسم (باتشينى)، فعندما تلمس الأم جسد طفلها وتحتضنه يتأثر جلده بتلك اللمسات بيولوجياً عن طريق المستقبلات، والأمر كذلك مع جميع الأعمار، وجاءت هذه الأبحاث ونتائجها لتتوافق مع ما أكده العالم الشهير (سيجمون فرويد) من أن رحم الأم هو المكان الآمن للجنين، الذى يمثل الخروج منه أول صدمة يتعرض لها فى الحياة، لأن بخروجه من هذا الحضن تتغير الأوضاع، ومن الطريف أن فريق قسم التوليد بمستشفى لندن كلينك قارن بين المواليد الذين يتم احتضانهم لعدة دقائق بعد اكتمال إجراءات الولادة مباشرة، والمواليد الذين يتم وضعهم فى الفراش مباشرة دون أن يحظوا بمثل تلك الأحضان، فوجدوا أن المجموعة الأولى تميزت طوال فترة طفولة المهد بهدوء وانخفاض مستوى الارتجاف والقلق والبكاء العصبى، فى حين لم يصل أفراد المجموعة الثانية إلى ذلك المستوى، ولذا أوصى أفراد البحث بأن يتم السماح لإحدى قريبات المولود بالوجود بالقرب من عملية الولادة لأخذ الطفل واحتضانه.
وقد أكدت العالمة النفسية (فيرجينا)، وهى من أشهر أطباء النفس فى فرنسا، أن الإنسان يحتاج لحضن أحبائه ٤ مرات فى اليوم كى يحيا، و١٢ مرة كى ينمو بمعدلات طبيعية، وإذا كان هذا هو الرأى العلمى فإن الأدباء والشعراء كتبوا عنه وأبدعوا فى وصفه والغناء له ليسبقوا العلم بعقود وعقود، فما زلنا نردد دعوات أم كلثوم (هات إيديك ترتاح للمستهم إيديا) وكلمات وردة (احضنوا الأيام لتجرى من إيدينا) ونانسى عجرم عندما تشكو الحبيب لنا فتقول (أطبطب وادلع) وقبلها عبدالحليم عندما غنى (حتى فى أحضان الحبايب شوك يا قلبى).