لا تخوفنى من استخدام عقلى باسم الدين، لا ترهبنى من التفكير وتشغيل عقلى باسم الموروث الاجتماعى والجمود الفكرى، لا ترجعنى ونحن بالألفية الثانية إلى الجاهلية ومحاكم التفتيش.
ما زال الشيطان وأعوانه يحاولون السيطرة على الإنسان بتخويفه من إعمال عقله، لتعطيله وتأخيره والنيل منه والسيطرة عليه، عقائدياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً. التفكير صديق الإيمان، وصديق العلم والتقدم والرحمة والتعاون والإنسانية، أما الجهل فعدو جميع ما سبق.
لولا أن الخليل إبراهيم عليه السلام، تفكر فى ملكوت الله وتأمل وبحث عن الله، ما كنا تعلمنا هذا المعنى الإلهى العظيم، فلو شاء الله سبحانه لهداه عليه السلام إليه دون ما مر به من رحلة البحث وتتبعه للشمس والقمر، فلما وجدهما آفلين أعرض عنهما كما أعرض من قبل عن أصنام قومه. إن فى هذه القصة العظيمة رسالة لنا بالتفكر والتدبّر، فخليل الله لم ترهبه كلمات قومه بأنه يخالف ما وجدوا عليه آباءهم!! بل إن تفكره وتدبره كانا سبباً فى خير عظيم لبنى البشر.
كما أن الكلمة الأولى فى الإسلام كانت اقرأ (اقرأ معناها تعلم وافهم وتفكر، اقرأ باسم ربك الذى خلق، اقرأ متوكلاً على الله وهو سيهديك، فهو الذى خلقك يا إنسان، وعلمك ما لم تكن تعلم). كم من عالم وباحث ومنظر ومصلح قد حُورب باسم الدين! بل إن الرسل والأنبياء اتهمهم الجهلاء بالخروج عن دين الآباء والأجداد فى الأزمنة الغابرة. حرية التدبّر واعتناق الأفكار أو الانتماء إليها، قد كفلها الله لكل بنى البشر، ولم يجعل لأحد وصاية على الآخر، ولا يؤخذ أحد بذنب الآخر، ولا ولاية لأحد على الآخر.
لهذا ليُعْمِلْ كل إنسان عقله، ويبحث ويوازن الأمور، ويقارن الأفكار، ليختار ما يقنع به ويطمئن إليه قلبه وذهنه. إن أفظع الأغلال وأقبح القيود تلك التى تكبل الدماغ وتخيفه وترهبه، أدمغتكم تخصكم وحدكم، فكروا واستعينوا بهدى الله، تتضح أمامكم كثير من الحقائق.
جملة «لا تناقش ولا تجادل» يجب ألا يكون لها وجود فى قاموس البشر. إن إعمال العقل والتدبر يجعلك متفهماً لغيرك، مستوعباً له، قابلاً لمعنى الاختلاف وتعدّد طرق الفهم للموضوع الواحد، فتكون أقل تعصباً وعناداً وأقرب للاعتدال والاتزان، ومن ثم الاستفادة والإفادة.
يا صديقى، لا تأخذ الأقوال المأثورة والأمثال التراثية من المُسلّمَات، ولا تعتنق أفكار غيرك لمجرد أن أتباعه كُثر ولا تسلمن عقلك لكائن من كان، ولا يغرنك زخرف القول وتأنق صاحبه، ولا تعتقد أن كل الاكتشافات العلمية والآراء البحثية ولا التنظيرات الاجتماعية نهائية قاطعة، فكل يوم هذا الكون فى جديد، عقلك هو أثمن ما فيك وأهم ما بك، فاهتم بصناعته، ولا يرهبنك أحد ولا تخف.
تذكر أن إعمال العقل فرض وواجب ولا تنسَ أبداً يومك الأول بهذا العالم عندما جمع الله لك سائر مخلوقاته وأمرهم بالسجود لعظمته سبحانه وإعجازه فى خلْقِكَ يا أيها الإنسان. عقلك هذا هو ما جعل إبليس يناصبك العداء إلى يوم يبعثون، فلا تجعله يتغلب عليك بتعطيله أو إلغائه.