خبير فى الشئون التركية: رئيس تركيا موهوم بـ«العثمانية الاستعمارية».. ومحاولة استعادة إرث الخلافة عنجهية سياسية
تركيا استغلت المساجد لتأجيج الصراع وتوسيع النفوذ فى أفريقيا
كعادته، خرج إلى الشعب التركى بشعارات حماسية، ووعود بإعادة الإمبراطورية العثمانية التى كانت تسيطر على بلاد عديدة فى الشرق والغرب، حتى يعزز موقفه داخلياً ليثبت أقدامه فى سدة الحكم، حيث يواصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، التعبير عن أحلام استعادة إرث الإمبراطورية العثمانية، مؤكداً أن الأتراك يتشبثون بميراث الأجداد فى كل مكان، بدءاً من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا، وانتهاءً بجزيرة سواكن السودانية.
الدكتور سامح الجارحى، الأستاذ بجامعة القاهرة والمتخصص فى الشأن التركى، رأى فى حوار لـ«الوطن»، أن تصريحات أردوغان المتكررة فى هذا الشأن تتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية الداخلية لحشد الأصوات، مضيفاً أن ذلك لم يعد يجدى نفعاً من المواطنين الأتراك، وإلى نص الحوار:
ما المغزى من وراء تصريحات «أردوغان» المتكررة عن إرث الأجداد الأتراك فى أفريقيا؟
- بالطبع تنم هذه التصريحات عن الاتجاه العام السائد فى فكر رجب طيب أردوغان والأيديولوجية العامة له التى تتمثل فى إعادة الإرث العثمانى ووهم الإمبراطورية العثمانية الذى يسيطر عليه منذ أن أصبح على رأس السلطة فى تركيا منذ عام 2002 عندما أصبح رئيساً للوزراء، إنه الوجه الاستعمارى القبيح الذى يبدو عليه «أردوغان» منذ أن صعد إلى سدة الحكم، كما أنه المحرك الرئيسى والأساسى له، وتنم هذه التصريحات عن تيار جديد يسمى بـ«تيار العثمانية الجديدة» أو «إعادة إرث الدولة العثمانية» وكل هذا من قبيل العنجهية السياسية والاستعمارية للرئيس التركى.
د. سامح الجارحى: يعتبر نفسه حارساً لـ«المذهب السنى».. ومصر تتحرك لإحباط محاولاته فى أفريقيا
إذا كانت من أجل الانتخابات.. إذن فهى مجرد تصريحات عابرة فى فكر الرئيس التركى؟
- لا بالطبع بل إنها أمور سائدة دائماً ومتشابكة فى فكر أردوغان، هذه الأمور تذهب دائماً لإعادة الإمبراطورية العثمانية إلى سابق عهدها من خلال تبنى عدد من الإجراءات والقرارات فى الداخل التركى وفى الخارج التركى أيضاً، وعلى سبيل المثال، أردوغان لا يريد حلاً لمشكلة قبرص وتركيا، وهى بشأن الجزء الشمالى من قبرص الذى احتلته القوات المسلحة التركية فى سبعينات القرن الماضى، ويذكر الرئيس التركى أن هذه من أملاك الدولة العثمانية ويطالب دائماً أردوغان بضرورة العودة إلى معاهدة لوزان التى فى أعقابها تقلص حجم الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وأصبحت على شكل تركيا الحديثة، فالرئيس التركى يطالب دائماً بالموصل فى العراق، وبحلب فى سوريا.
وكيف تواجه مصر التحركات التركية فى أفريقيا؟
- هناك أكثر من محور فى هذا الشأن، وقد بدأت فيها القيادة السياسية فى مصر والحكومة المصرية لمواجهة التحركات التركية الخبيثة والقوى الإقليمية الأخرى مثل إيران وإسرائيل، المحور الأول هو محور سياسى، حيث بدأت مصر فى توطيد علاقاتها مع إثيوبيا، بعد أن كانت قد توترت منذ حادثة أديس أبابا عام 1994 أيام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، حيث تعتبر القارة الأفريقية هى العمق الاستراتيجى للأمن القومى المصرى، وهذا جاء من أجل مواجهة التحركات الخبيثة، كما وطدت مصر علاقاتها مع دول أخرى مثل دول حوض النيل ودولة السودان التى تمثل العمق الاستراتيجى المباشر لمصر، أما عن المحور الثانى، فهو المحور الاستراتيجى العسكرى المصرى من أجل دعم حركات مكافحة الإرهاب فى القارة السمراء، فمصر تقدم المشورة والجهود المختلفة للأشقاء فى ليبيا التى تعبث تركيا بأمنها عن طريق إرسال شحنات من الأسلحة عن طريق السفن التركية عبر البحر الأبيض المتوسط، كما تعمل مصر على تقديم المشورة للدول الأفريقية التى تحارب الإرهاب، ويتمثل المحور الثالث فى الدبلوماسية الشعبية والقوى الناعمة، فمصر عادت من جديد على المستوى الرياضى والفنى والتقنى والاقتصادى وغيره، فقد عاد رجال أعمال مصريون للاستثمار فى أفريقيا ووجدوا أن أفريقيا هى المستقبل والمجدية فى الوقت الحالى، وهذا أيضاً مواجهة للنفوذ الاقتصادى الإيرانى والتركى والصهيونى فى القارة الأفريقية.
الأزهر أقوى أسلحة القوى الناعمة المصرية والكنيسة القبطية رائدة لكنائس أفريقيا وكلاهما يجابه نفوذ الأتراك فى القارة
وما شكل هذه الدبلوماسية الشعبية المصرية؟
- هناك جمعيات لرجال أعمال مصريين فى القارة الأفريقية تابعة لمجلس اقتصاد الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقى، بالإضافة إلى الاستثمار فى عدد من المناطق التى كانت علاقة مصر بها علاقة شائكة إلى حد ما، مثل إثيوبيا ودول حوض النيل وبعض دول القرن الأفريقى، فبدأت استثمارات مصرية فى الصومال بالإضافة إلى تقديم المشورات الاستخباراتية والعسكرية للجيش الصومالى، من أجل دحض الوجود التركى فى الصومال، حيث توجد قاعدة عسكرية تركية، إن التحركات المصرية فى الصومال تمثل مواجهة قوية ومباشرة للنفوذ فى هذه المنطقة، وذلك بالإضافة إلى القوة الناعمة المصرية عن طريق جلب عدد كبير من الطلاب الأفارقة للدراسة فى عدد من المعاهد والكليات والمؤسسات العلمية المصرية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، الذى يعد أقوى سلاح للقوى الناعمة المصرية فى كافة مناطق العالم وفى تركيا بالتحديد، حيث له مكانة عالية لدى الأتراك، لذلك يعد أهم سلاح للقوى الناعمة، بالإضافة إلى جامعة القاهرة التى تستقبل البعثات المجانية من قبل مصر، هؤلاء الشباب سيكونون قادة بلدانهم مستقبلاً، وهناك أيضاً دور كبير تلعبه الكنيسة المصرية، لأنها كنيسة رائدة لمعظم كنائس أفريقيا، وتعد مجابهة قوية للنفوذ التركى فى أفريقيا، فضلاً عن الرياضة والفنون وغيرهما، هى أساليب ربما ليست مباشرة إلا أنها مؤثرة إلى حد كبير وتجعل مصر تعود لمكانتها كدولة رائدة لأفريقيا.
وهل كان تدخل «أردوغان» فى سوريا والعراق من قبيل فكر «إعادة الإمبراطورية العثمانية»؟
- طبعاً كان دخوله فى سوريا والعراق من قبيل إعادة إرث الدولة العثمانية، وهو يعبث أيضاً فى أمن الدول العربية بدعوى أنها كانت خاضعة للدولة العثمانية، كما أن توجهاته السياسية تنم عن «وهم الإمبراطورية العثمانية».
دعم المسلسلات التاريخية لتمجيد سلاطين العثمانيين وإعادة تدريس التربية الدينية هدفهما التوغل فى القارتين السمراء والصفراء
وفى أى شكل تتمثل هذه التوجهات؟
- دعمه للمسلسلات التركية التاريخية التى تمجد فى سلاطين العثمانيين، وقراره بإعادة اللغة العربية، وقرار بإعادة تدريس التربية الدينية أو التربية الإسلامية كمادة أساسية فى المدارس التركية، وذلك بالإضافة إلى عدد كبير من القرارات على سبيل المثال منها التوغل فى أفريقيا وفى آسيا، والقاعدة العسكرية فى الصومال، وجزيرة سواكن السودانية وبعض عمليات إعادة التمدد العثمانى الجديد فى عدد من المناطق بالعالم مثل العالم العربى وأفريقيا وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية، ومحاولة إعادة إرث الدولة العثمانية فى آسيا الوسطى، معتمداً على عنصر اللغة وعنصر العرق الممتد من جانب الأقليات التركية فى آسيا الوسطى وأوروبا.