حفيد "حمد باشا الباسل" يروي تفاصيل عن مسيرة جده وحكايته مع ثورة 1919
لم تكن الفيوم في حالتها السياسية المعروفة عنها حاليا، والتي نسب لها بأنها محافظة "إخوانية الهوى"، لما شهدته خلال السنوات الماضية، من تصويتها الأعلى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ما بعد ثورة 25 يناير لصالح الإخوان المسلمين، بل تاريخ الفيوم يشهد لها بأنها وطنية الهوى، والتي اندلعت منها ثورة 1919م بسبب أحد قيادات الثورة "حمد باشا الباسل".
وتحظى الفيوم، بوجود عدد من أفراد عائلة حمد باشا الباسل، في قرية "قصر الباسل"، والتي سميت على اسم العائلة، وهي تتبع مركز إطسا، ويعد "حمد الباسل"، وفدي أصيل كان مدافعا عن مبادئ الوفد، وتنتسب عائلته إلى قبيلة الرماح العربية، وعندما أتوا إلى مصر استقروا في محافظة البحيرة، وفي منتصف القرن التاسع عشر نزحوا إلى الفيوم ليقيموا في قرية "أبو حامد" التي عرفت فيما بعد، عندما بنى حمد باشا الباسل قصره عام 1907م بقصر الباسل، والذي جدده عام 1939م، للإعلان عن زيارة الملك فاروق له عند افتتاحه لمشروع المياه بمركز إطسا الذي تتبعه قرية قصر الباسل.
ويروي الكاتب الصحفي، عبدالعظيم الباسل، نائب رئيس تحرير الأهرام، ورئيس لجنة الوفد العامة بمحافظة الفيوم، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، وحفيد حمد باشا الباسل، أن حمد باشا الباسل، ولد في عام 1871م، وتكريما لوالده محمود باشا الباسل، الذي كان عمدة قبيلة الرماح، أسندت إليه العمودية وهو في سن العاشرة من عمره، فنشأ نشأة عروبية قبلية وفقا لما تربى عليه بدار والده، وفي عام 1914م تم منحه البشوية.
ويضيف الكاتب الصحفي، أنه منذ نشأة حمد باشا الباسل، اجتهد في أن يعلم نفسه، وهو لم يحصل على شهادة جامعية، وحينما إلتقى الزعيم سعد باشا زغلول في عام 1908م عند زيارته للفيوم، كوزيرا للمعارف، تعرف عليه الشاب الوطني الذي كان يطالب بتحرير مصر من الاستعمار الإنجليزي، وانخرط خلال هذه الفترة حمد باشا الباسل، في ندوات ولقاءات ومؤتمرات سعد باشا زغلول، وفي عام 1918م انضم حمد باشا لتشكيل حزب الوفد بزعامة سعد باشا زغلول، وبعد تفويض الشعب للحزب بتحرير البلاد من الاستعمار، بدأت السلطات الإنجليزية بتضييق الخناق على زعماء الحزب وأوقفت الندوات والمؤتمرات، فكان حمد باشا يستضيف زعماء الوفد في منزله بقصر النيل بالقاهرة، والذي كان قريبا من منزل سعد باشا زغلول، والمعروف حاليا ببيت الأمة.
وتابع: "في 8 مارس 1919م، ألقي القبض على حمد باشا ورفقائه سعد باشا زغلول وإسماعيل صدقي، ومحمد باشا محمود، في منزله وقادوهم إلى السجن ثم إلى بورسعيد، ونفوا منها إلى جزيرة مالطا في إيطاليا، وكان هذا هو المنفى الأول، وعندما سمع أهله في الفيوم بهذا النبأ، ثار أبناء قبيلته وتوجهوا إلى مركز شرطة إطسا، وأثروا المأمور الإنجليزي واشتعلت الاحتجاجات، التي انتقل لباقي قرى المحافظة، ثم محافظة المنيا، وباقي محافظات الصعيد، والتي اشتعلت بثورة لتحرير الزعماء واتسع نطاقها لتدخل فيها المرأة لأول مرة وحملت شعار الهلال والصليب، ولم تكن ثورة طبقية أو صراع نفوذ أو سلطة".
ويروي الكاتب الصحفي، مراحل أخرى في حياة حمد باشا الباسل، فيقول: "في 17 أبريل 1919م، سمح لزعماء المنفى الاتجاه إلى باريس وأثينا من أجل التفاوض لتحرير البلاد من الاحتلال الإنجليزي، ولكن بريطانيا لم تطبق مبدأ ويلسن الأمريكي الذي كان يقر فيه بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولم يهدأ زعماء الثورة وتعرضوا للمنفى الثاني ومحاكمتهم، وقاد حمد باشا الباسل، الحركة الوطنية في محافظات الصعيد إلى أن تم القبض عليه ورفاقه السبعة وتم اقتيادهم إلى المحاكمة، فما كان من حمد باشا خلال ذلك إلا أن قال لهم عبارته الشهيرة، "أنتم تحاكمونا وليس لكم الحق في أن تحكمونا.. نموت نموت وتحيا مصر"، وصدر الحكم ضدهم بالإعدام ثم خُفض للسجن المؤبد 7 سنوات وغرامة 500 جنيه، وأطلق عليهم الأسود السبعة، وبعد ذلك أطلق سراحهم مع ضغط الثوار.
ويضيف الكاتب الصحفي أن حمد باشا الباسل، ترشح في برلمان 1923م وكان يمثل دائرة الفيوم، التي كان يطلق عليها "أبو جندير"، وظل حتى 1926م، وكان يقود حزب الوفد وقتها فكان وكيلا لحزب الوفد ووكيلا للبرلمان في نفس الوقت، فأطلق عليه صاحب الوكالتين، وبعد ذلك واصل رفاقه الكفاح إلى أن حدث خلاف بين القادة، فشكّل حزب "7.5" والذي أطلق عليه فيما بعد الحزب السعدي تكريما لسعد باشا زغلول، ولم يهدأ الثوار حتى بعد وفاة سعد باشا، وواصل حمد باشا عقد لقاءات الصلح بين العائلات المتنازعة في العراق والأردن، في منزله، وجعل من قرية قصر الباسل مقرا للمجالس العرفية، ومركزا لحل الخلافات واللقاءات الصراعية حينذاك.
ويؤكد عبدالعظيم الباسل، أن حمد باشا لا تنسى له مواقفه القومية أبدا، حين ساند الثوار الليبيين بقيادة عمر المختار ومدهم بالمال والسلاح لتحرير ليبيا من الغزو الإيطالي، كما استضاف بعض القبائل الليبية التي نزحت من هناك لتقيم بالفيوم، وكان يغدق عليهم بالمال للعيش هنا في الفيوم، فضلا عن مشاركته في إنشاء النادي الأهلي في عام 1907م، ولذلك ترك تاريخا وطني وسيرة ذاتية ثار عليها أحفاده، فكان ممثلا في البرلمان عن مديرية الفيوم في 1910م، ثم أصبح هناك مقعد برلماني باسم عائلة الباسل حتى عام 2014م.
وتابع: "تناوب على مقعد العائلة كل من حمد باشا الباسل، ثم عبدالستار الباسل، ثم عبدالقادر الباسل، ثم صادق الباسل، ثم حفيده المباشر أبو بكر محمد محمد الباسل، الذي مثل دائرة إطسا في البرلمان 8 دورات متتالية كرئيس للجنة الزراعة والري بالمجلس، ثم انتخبت أنا على هذا المقعد واستمريت لمدة 3 دورات، وأتولى حاليا رئيس اللجنة العامة لحزب الوفد بالفيوم، وعضو الهيئة العليا للحزب، وهو ما يؤكد أن العائلات الوفدية تاريخ متواصل من الأجداد".
كُرِمَ حمد باشا الباسل، وفقا لبعض المؤرخين، على يد المشير عبدالحكيم عامر، بأوامر من الرئيس جمال عبدالناصر بعد الثورة بإسقاط الحراسة عن ممتلكات الباسل نظرا لماضيه المشرف.
يعتبر حمد باشا الذي توفي عام 1940م، أشهر أفراد أسرة الباسل، ووفقا لرصد أحد الكتاب الذي يدعى "عزت إندراوس" عن حمد باشا الباسل، في أحد المقالات، كان أول اجتماع للوفد عقد في منزل حمد باشا بالقاهرة، والذي تبرع به فيما بعد ليصبح أول سفارة للسعودية في مصر، ونادى سعد باشا زغلول من شرفة هذا المنزل باستقلال مصر، وذهب مع أعضاء الوفد لباريس لحضور مؤتمر هناك، ونفي مع سعد زغلول إلى مالطة في 8 مارس 1919.
ويقول الأستاذ الدكتور ديهوم الباسل، أستاذ متفرغ في كلية العلوم بجامعة الفيوم، وهو أحد أفراد عائلة الباسل بالفيوم، إن حمد باشا الباسل، "ابن عم والدي"، له كثير من الحكايات التي لا يعرفها كثير من الناس عنه، منها أن منطقة سواقي الهدير بوسط مدينة الفيوم، ومكان محطة السكة الحديد وقصر الثقافة، كانت عبارة عن أراضٍ مساحتها قرابة 5 أفدنة مملوكة لحمد باشا الباسل، وتبرع بها إلى السكة الحديد، عندما ذهب إلى محافظة المنيا للارتباط بعلاقة نسب لأحد أفراد عائلته، وكان منزله مكان ميدان سواقي الهدير الحالية، ودعا أهل العروس لحضور حفل الزفاف وكان عددهم يتراوح ما بين ألفين إلى 3 آلاف شخص، وكانت هناك صعوبة لنقلهم للفيوم، فتم إنشاء وصلة من السكك الحديدية بالواسطى إلى محطة الفيوم، وبعد انتهاء حفل الزفاف تم الإبقاء عليها.
ويضيف الدكتور ديهوم الباسل، أن ثورة 1919م انطلقت من الفيوم، عندما علم أهل حمد باشا، بإلقاء القبض عليه من قبل الإنجليز وأنه يتم نفيه خارج البلاد، توجه عدد كبير من أبناء عائلته إلى مركز شرطة إطسا، التابعة له قريتهم، وحاصروه وتحفظوا على المأمور الإنجليزي وأفراد القوة، ثم توجهوا إلى مديرية أمن الفيوم بالخيول، مع أفراد من عائلة أبو جليل، وحاصروا المديرية ولكن الإنجليز أطلقوا عليهم النيران من الأسلحة النارية، وتوفي في هذه المعركة 40 فردا من العائلتين، وكانت هذه الواقعة هي الشرارة الأولى في ثورة 1919م والتي انتقلت الاحتجاجات فيها من الفيوم إلى باقي المحافظات.
وتابع: "اهتم حمد باشا الباسل، بتعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان برفقته معلمتان إحداهما لتعليم الإنجليزية والأخرى للفرنسية، ما جعله يتحدث اللغتين بطلاقة، وكان معروفا بشجاعته أثناء ثورة 1919م، حيث كان يتعامل مع الرسائل البدوية والتي كان قادة الثورة يكتبونها بالحبر السري بخط سعد باشا زغلول أثناء النفي، على المجلات وترسل إلى مصر، لكي لا يرصدها الإنجليز، وكان الثوار يقرأون هذه الرسائل وينفذون ما بها من تعليمات على الفور".
ويؤكد الدكتور ديهوم الباسل، أن هناك أمورا عن الثورة وسعد باشا زغلول لم يذكرها الناس في روايتهم عن أحداث الثورة، منها أن الإنجليز عرضوا على سعد باشا زغلول، أن يعود من الخارج ليتوج ملكا على مصر في مقابل أن يحبط اندلاع الثورة، ولكنه رفض هذا العرض وكان هذا الأمر في محافظة الإسماعيلية، وقال الزعيم سعد باشا وقتها للمسئول الكبير "لا يهمني أن أكون ملكا على مصر ولكن يهمني تحريرها".
ويضيف الدكتور ديهوم الباسل، أنه خلال ثورة 1919م كانت هناك ما تعرف بـ"منظمة اليد السوداء"، وهي مجموعة من الخلايا العنقودية للثوار، وكانت مكلفة بقتل الجنود الإنجليز في مصر، وذلك من خلال تحديد الشخصية المستهدفة لأحد أعضائها، والمدة المقررة لتنفيذ المهمة، وإذا انتهت مهلة التنفيذ للمهمة دون التنفيذ، يتم قتل الشخص المكلف بها حتى لا ينكشف أمر باقي أفراد المنظمة، وكان عبدالستار بك الباسل، شقيق حمد باشا، من بين أعضاء هذه المنظمة، وتنكر في زي امرأة وقتل أحد القادة الإنجليز، ثم عاد بعد تنفيذ العملية إلى قصر الباسل.
ويرى الدكتور ديهوم الباسل، أن ثورة 1919م لم تكن ثورة عادية، بل كان فيها القتل والمفاوضات وهو ما رصده مؤرخ الثورة مصطفى أمين، في كتاب سمي بالكتاب الممنوع نظرا لمنع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لهذا الكتاب من النشر في الأسواق، وكان نجاح ثورة 19 نتيجة وجود زعيم لها هو سعد باشا زغلول، يتحدث الإنجليزية والفرنسية بشكل كامل وبطلاقة، وكنت رسائله تجد صدى جيدا لدى المندوب السامي أو ملك إنجلترا، وهي ثورة شارك فيها كل فئات الشعب وكانت تتميز بإجماع غير عادي على تحرير الأرض من الإنجليز.