١- فى أوائل عام ١٩٣٢.. زار الملك فؤاد جامعة القاهرة بصحبة وزير المعارف وقتها وكان يدعى محمد حلمى عيسى باشا.. فهتف الطلبة والحضور من أعضاء هيئة التدريس للملك ولطه حسين -عميد كلية الآداب وقتها- وتجاهلوا الوزير الذى لم يكن يعرفه أحد.. فأوغل ذلك صدر الوزير من ذلك الكفيف الذى يحظى بشعبية كبيرة داخل الجامعة.. وقرر نقله إلى وزارة التعليم.. الأمر الذى كان سبباً فى ثورة الجامعة بأكملها عليه ورفضها للقرار، لدرجة أن أحمد لطفى السيد مدير الجامعة فى ذلك الوقت تقدم باستقالته اعتراضاً على الوزير الموتور!!
لقد أنصف القضاء طه حسين وعاد للجامعة مرة أخرى.. وتحول من عميد كلية الآداب إلى عميد الأدب العربى بأكمله.. ورحل الوزير من منصبه وظل كما هو... لا يعرفه أحد حتى الآن!! لقد كان قرار انتقامى واحد سبباً فى أن يسقط الرجل من ذاكرة التاريخ كله!!
2- بيانان متناقضان صدرا من وزارة الصحة فى شهور قليلة.. أولهما يشيد بما حققه معهد القلب فى مشروع القضاء على قوائم الانتظار.. ويقر بأنه يحتل المرتبة الأولى بين المستشفيات المشاركة فى المبادرة.. والآخر منذ أيام قليلة يتهم المعهد بالتقصير فى ذات المشروع.. توطئة لتبرير إقالة عميده!
الطريف أن البيان وقرار الإقالة قد تبعه قرار آخر بتعيين رئيس قسم القلب بالمعهد بدلاً منه.. والمسئول الأول عن التقصير «إن وجد»!!
القرار تفوح منه بشدة رائحة الانتقام وتصفية الحسابات.. فنفس الوزيرة التى أعلنت القضاء تماماً على قوائم الانتظار بالمعهد هى من أصدرت قرار الإقالة «للتراخى» فى تسجيل الحالات وتأخر العمليات!!
لا أعلم إن كانت الوزارة تراهن على ذاكرة الناس الضعيفة.. أم أن المشكلة فى ذاكرة من يصيغ البيانات نفسه؟!
3- فى رأيى تظل المشكلة الأساسية للطب فى مصر أن من يديرونه لم يمارسوه قط.. لذا يتحول الأمر إلى صراع بين من يملك القرار.. ومن يملك أدوات «الصنعة»!!
سيادة الوزيرة هى المسئول السياسى رقم واحد عن المنظومة بأكملها.. وهى من تتصدر المشهد ومن يحق لها الاستعانة بمن ترى أنه سيخدم الهدف الأسمى للوزارة وهو صحة المواطن.. هذا حقيقى تماماً ولا شك فيه.. بل يمكننى أن أزيد أنها من حقها الاستعانة أو الاستغناء عمن تريد «دون إبداء أسباب للرأى العام».. ولكن.. هل من السياسة أن تتم إقالة قيمة بحجم الدكتور جمال شعبان بهذه الطريقة.. وبعد تواتر أنباء عن خلاف بينهما فى آخر لقاء بينهما؟!
هل يحق للوزير «السياسى فى المقام الأول» أن يقيل من يشاء بشكل يحمل فى طياته تلك الإهانة الواضحة؟.. وما تأثير ذلك على كل المتعاونين مع الوزارة بعد ذلك؟ هل ستأمن أى كفاءة على العمل والتعاون مع الوزارة وهى تعلم أنها قد تتعرض لإقالة بهذا الشكل؟ كلها أسئلة أعتقد أن سيادة الوزيرة تحتاج أن تسألها لنفسها قبل أن يجيبها عنها الرأى العام..!
٤- على خلاف الرأى العام السائد أرى أن إقالة عميد معهد القلب لم تكن تستوجب هذه الضجة لولا ما تم فى «أسلوب» التنفيذ.. كان يمكن للوزيرة أن توجه له الشكر على الفترة التى تولى فيها المنصب.. وتستعين بغيره فى هدوء وحكمة.. ولكن يبدو أن سيادتها لم تتعلم من التاريخ.. أو لم تعرف قصة الذى قرر الإطاحة بطه حسين.. فأطاح هو به من صفحات التاريخ!!
أعتقد أن استجواباً من مجلس النواب حول أداء معهد القلب فى الفترة الأخيرة ربما يكون ضرورياً لتوضيح حقيقة بيانات الوزارة المتضاربة.. وحرصاً على الشفافية أمام الرأى العام الغاضب للإقالة التى فى ظاهرها التقصير.. وفى باطنها الانتقام!!