على مدى 3 أيام كاملة دخل المواطنون -سواء فى مصر أو فى بلاد الغربة التى تستضيف البعض من «صلات الرحم» لهم فى الخارج- اختباراً حقيقياً لما أضافوه من سمات تتعلق بالتصميم والإرادة لتحقيق الأمل فى استكمال ما بدأوه عقب ثورة 30 يونيو بعد التخلص من قبضة «عصابة الإخوان» التى تسللت بل يل فى محاولة يائسة لتبديل «الشخصية المصرية» العصيّة على التنازل عن طبيعتها..!
عاند المصريون ونفضوا كل «دعاوى المقاطعة والسلبية» -التى حاول أعضاء «الطابور الخامس» الذين لا تزال بقاياهم «تتظاهر بالوطنية» فى بعض المناطق- إعادة غرسها فيهم، واصطفوا منتظمين أمام لجان الاستفتاء ليحرسوا أحلامهم ولا يدعون أحداً غيرهم ليفسرها لهم «وفق هواه» ليخرجوا بعدها وقد اصطبغ إبهامهم باللون الأحمر الفسفورى بعد أن رسموا به ملامح مستقبل ينتظرون تجسيده، وليشهدوا العالم -من خلال كاميرات الصحف ووكالات الأنباء- على أن «روح 30 يونيو» لا تزال تدفعهم نحو هذا المستقبل الموعود..!
لم يهدر المواطنون الفرصة تحت زعم أية حجة فكلها قد سقطت.. وتأكدوا أن كل شىء قد أصبح مُعداً لاستقبالهم.. لمشاركتهم.. فلم ينتظروا أحداً ينوب عنهم أو يمسك بأيديهم ليرسم «شعاراً خادعاً» يردده من يحلو لهم المقامرة بكل شىء حتى بمستقبل الوطن..!
خروج المواطنين إلى لجان الاستفتاء أكد أنه لم تعد «جملة» تستهدف إثارة نشوة زائفة بجرأة نطقها تُسكرهم.. وأن حلم الوطن ومستقبله لا يقبل «التجربة».. وأن حدود الوطن وخطوطه الجغرافية لا تقبل القسمة أو المشاركة أو الاجتزاء وأيضاً غير قابلة للرهان أو حتى التلميح بالتهديد.. وأن مصلحة الوطن.. أرض النيل.. سماءه.. كرامة المواطن.. أحلامه.. آماله.. آلامه يجب ألا تخضع لأحكام قانون الصدفة أو تُترك لأى مغامر.. أو مُطالب ينشد التغيير هدفاً فى حد ذاته بعد أن يدّعى التدثر بعباءة يلتصق بذيلها تعبيراً من أجل التغيير.. أو من يستظل بـ«راية» لم يجد من اختارها شعاراً لها سوى سيفين متقاطعين ومصحف فقط من أجل «التمويه» بعد أن هجر كلماته وأحكامه وأبدلها خداعاً ليحتفظ ببعض من مؤيديه المختطفين ذهنياً..!
ولأنه دائماً هناك من يحاول تشويه أى مشهد إيجابى يتبناه المواطنون.. ولأن المشاركة الإيجابية فى الاستفتاء تمثل صدمة مميتة لـ«جماعة المخادعين» وإعلاناً واضحاً وجلياً بأن عودتهم لصدارة المشهد باتت بالفعل الشقيق الرابع لـ«الغول والعنقاء والخل الوفى».. ولأن «تاريخ خداعهم» لا تكفيه آلاف الصفحات من المجلدات العملاقة.. ولأنه رمز لإرادة ملايين المواطنين الذين انصاع لأمرهم وتحمل «مشقة التكليف» فقد أحال المخادعون أحكام الدستور التى تخص تمديد الفترة الرئاسية إلى «دائرة التنشين السوداء» وأصبحت هدفاً لهم لينسجوا حولها أوهاماً لإعادة ترديد شعارهم الأجوف «حكم العسكر» والادعاء بأنه يستهدف إحكام قبضته على مجمل مؤسسات الدولة.. ولأنهم باتوا على يقين من أن المشاركة السياسية للمواطنين تمثل إحدى دلالات النضج السياسى للجماهير ووعيها بدورها فى إدارة شئونها، وبالتالى إعدامهم شعبياً.. فقد أوحت «جماعة الأبالسة» لبقايا أعضاء الطابور الخامس بفكرة إعادة مشهد «رشى المواطنين» الذى اعتادت عليه فى أى انتخابات أو تجمعات جماهيرية لتشويه المشهد.. فتعمدت مجموعة من «المكلفين» من جانب هذه الجماعة أن تمر من أمام كاميرات التليفزيونات وهى تحمل «كراتين سلع رمضان المعظم» مطبوعاً عليها شعار أحد الكيانات الحزبية لتوزيعها على بعض المشاركين فى الاستفتاء من محدودى الدخل، للإيحاء بأن طبقات من المواطنين لا تزال مهمشة على الرغم من نجاح جهود الدولة فى انتشال الغالبية العظمى منهم من قاع المجتمع ولم يتبق منهم سوى أفراد قلائل ينتظرون دورهم فى الانتقال إلى حياة جديدة يتكفل بها إتمام جهود الدولة هذه المهمة.
لم يكتف أعضاء الطابور الخامس بذلك بل استمروا فى إيحائهم المخادع بأنهم مكلفون من جانب الدولة أو مؤسساتها لتوزيع هذه السلع على المواطنين لإجبارهم على الموافقة على التعديلات الدستورية، فى حين أن لا الدولة ولا مؤسساتها قد كلفت أحداً بذلك، وأن هذا الأمر مجرد حلقة من سلسلة الخداع المتصلة التى أبدعتها «الجماعة» وبرعت فيها تماماً ضمن سعيها الدائم لبث «الروح الانهزامية» بين المواطنين انتقاماً منهم على ركلهم خارج تاريخ مصر، وفشلهم فى إتمام دعواتهم لخروج المواطنين على قيادتهم السياسية فى محاولة لإفشال جهود التنمية التى انطلقت وبدأت تؤتى ثمارها أخيراً..!
ولأن فى كل سيناريو هناك «كومبارس» يسعى جاهداً لـ«لفت أنظار الرأى العام» بوجوده لإعادة تذكيره به فقد سعى «ح. ص»، الذى لا يزال موهوماً بأنه «القائد المنتظر» إلى الظهور فى مشهد ساذج للغاية بنشر صورة له -فى اليوم الأول للاستفتاء- وهو يحمل ورقة الإدلاء بالصوت وعليها علامة غير موافق، محرضاً المواطنين بأسلوب أكثر سذاجة على المقاطعة، إلا أن المصريين ردوا عليه عملياً بصورة قد تسكته للأبد وتجبره على الاختفاء نهائياً عن الأنظار، إذ خرجوا زحفاً إلى لجان التصويت.. وكان المشهد الذى أعاد الثقة فى قدرة المواطن على إعادة الفرز بين الصادق والمدّعى.. بين كيان يدعى أصحابه أنه ظهير سياسى للرئيس وبين قوى وطنية حقيقية أدركت بوعيها الجماهيرى الناضج أهمية الاحتفاظ بقيادتها لإكمال المسيرة.. شباب لم يكتف فقط بالمشاركة بل ساهم أيضاً فى تنظيم توجيه الناخبين إلى مقار لجانهم.. شيوخ تغلبوا على آلامهم التى أضافتها أعمارهم إليهم.. آباء صحبوا أفراد أسرهم بالكامل بمن فيهم أطفال لم تسمح أعمارهم بعد بإدراك ما يشاهدونه لا لشىء إلا لزرع روح الانتماء فيهم.. «عرسان» وقفوا فى صفوف الاستفتاء بملابس الزفاف وهم فى طريقهم إلى منزل الزوجية تفاؤلاً ببدء حياة سعيدة.. نساء هجرن ما كان يشغلهن من أعمال منزلية ليثبتن بالفعل أنهن أصبحن شريكات فى كل ما يهم الوطن.. فنانون غادروا الاستوديوهات لينتظموا فى صفوف أمام اللجان.. رجال دين فضّلوا تأجيل بقية استعدادهم للاحتفال بـ«مناسبتى ليلة النصف من شعبان وأحد السعف» ليؤدوا واجبهم الوطنى.. «أصحاب الإرادة الفولاذية» عبروا الطرق إلى مقار الاستفتاء بمقاعدهم المتحركة.. حتى «المرضى» غادورا أسرتهم بالمستشفيات ونقلتهم سيارات الإسعاف تلبية لدعوة الوطن.. جميعهم حركهم واجبهم الوطنى والوعى ورفضوا الانصياع لكافة الأشكال التحريضية التى دعا إليها «إخوان الشياطين» ومن سكنوا منصات أجنبية بعد أن تاجروا بالدين وقايضوا مكاسبهم المادية بالوطن وتلونوا بكل ألوان الخداع والأنظمة..!!
وفى النهاية فإن نحو 27 مليون مواطن فتحوا الطريق بـ«عمل الصح» لنبدأه الآن.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائماً.