فى يناير عام ١٩٣٦.. عانى الملك فؤاد الأول من غيبوبة سكر كادت تودى بحياته.. إلا أن طبيبه الخاص محمد شاهين باشا نجح وقتها فى إنقاذه.. فما كان منه عندما أفاق منها إلا أن قال له «لقد أنقذت حياتى.. أشكرك يا وزير».. وبناء على هذه العبارة صدر المرسوم الملكى بإنشاء وزارة الصحة العمومية.. وأصبح محمد شاهين باشا أول وزير صحة فى تاريخ مصر.. تلك الوزارة التى ضمت مجموعة من المصالح الحكومية الموجودة بالفعل فى ذلك الوقت مثل مصلحة المستشفيات العامة والصحة القروية ومصلحة الحميات..!
من وقتها واستمر عمل الوزارة -بعد إعادة هيكلتها إدارياً عدة مرات- فى مجال الصحة وحده.. حتى اكتشف العالم أن خصائص السكان وضبط الزيادة السكانية هو جزء هام من الرعاية الصحية لأى دولة.. فبدأ الاهتمام بوجود مجلس قومى للسكان وتنظيم الأسرة.. فأنشأ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1965 المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، قبل أن يتحول فى عهد الرئيس مبارك للمجلس القومى للسكان، الذى يترأسه رئيس الجمهورية بعض الوقت.. ورئيس الوزراء فترات أخرى.. وينضم لوزارة الصحة ثم ينفصل عنها.. حتى ضمه مبارك فى أواخر عهده لوزير الدولة لشئون الأسرة والسكان.. كل هذا قبل أن يتم إلغاء الحقيبة الوزارية بالكامل فى عهد المجلس العسكرى.. ليعيدها الرئيس السيسى مرة أخرى فى ٢٠١٥.. ثم يتم إلغاؤها مرة أخرى فى الوزارة الحالية!!
التاريخ السابق ذكره كله يشى بأن هناك مشكلة فى تحديد القائم على ملف السكان.. ومأساة فى توصيف الجهة أو الهيئة المنوطة بإدارته.. فتلك الوزارة لا تقنع الناس حين يتم تفعيلها.. ولا أحد يقوم بدورها عندما تلغى.. حتى إن حكومة شريف إسماعيل اكتفت بوجود نائب لوزير الصحة لشئون السكان لم يشعر أحد بوجوده.. وخلا المنصب بعده ولم يشغله أحد منذ فترة فى عهد الحكومة الحالية دون أن يؤثر غيابه على عمل الوزارة بأى حال..!
لقد تحولت وزارة السكان إلى وزارة حائرة لا يعلم أحد لماذا يتم إنشاؤها.. ولا يعرف أحد لماذا تم الاستغناء عنها.. وعلى الرغم من أهمية الملف نفسه.. إلا أن أحداً لم يهتم بتوصيف جيد لتلك الوزارة حتى الآن..!
إن فكرة الارتقاء بالخصائص السكانية والتوعية بمخاطر الزيادة فى عدد السكان.. وربط تلك الزيادة بمعدلات النمو الاقتصادى لا تقل أهمية بكل حال عن دور وزارة الصحة فى الارتقاء بالخدمات الصحية وتوفير رعاية سليمة لكل مواطن.. الأمر الذى لا يتمكن وزير الصحة من تحقيقه منفرداً.. فضم كل ما سبق لاختصاصات وزير الصحة هو أمر يظلم الوزير ويظلم الهدف نفسه.. ويفضى بكل الأحوال إلى ضرورة وجود وزارة مستقلة له فى رأيى..!
إن وجود وزارة للسكان يضمن اهتماماً أكثر فاعلية لذلك الملف الهام.. وبالتالى يضمن تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة التى تسعى إليها الحكومة فى خطة عملها على طول الخط.. ويضمن حملات مستمرة للتوعية بمخاطر الزيادة السكانية كتلك الحملة التى أطلقت مؤخراً بعنوان «اتنين كفاية».. التى تعيد للأذهان حملات تنظيم الأسرة فى التسعينات.. ولكن الطريف أن نكتشف أنها برعاية وزارة التضامن وليس وزارة الصحة أو المجلس القومى للسكان كما يفترض!!
السؤال الذى يطرح نفسه الآن.. هل يمكن دراسة إعادة تلك الوزارة للحياة مرة أخرى مع توصيف واضح لدورها؟.. هل يمكن إحياء ذلك الملف بشكل أكثر وضوحاً واهتماماً من قبل النظام باعتباره ملفاً مهماً للأمن القومى؟.. كلها أسئلة تحتاج إجابات.. ربما بشكل عملى كما تعودنا من هذا النظام بالفعل..!