فى تصرف أقل ما يقال عنه أنه صبيانى موتور.. ظهر رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا والخليفة المزعوم لكل التنظيمات اليمينية فى العالم كله، فى جلسة تصوير خاصة داخل أحد الأنفاق وهو يرفع علامة النصر. الصور المتداولة -وإن نالت نصيبها من السخرية المتوقعة على مواقع التواصل- تحمل الكثير من الدلالات التى كثيراً ما ينكرها البعض، والتى ينبغى أن نضعها فى الاعتبار. الدلالة الأولى والأهم أن الجميع ينظر باهتمام مشوب بالقلق لما يحدث على أرض مصر كل يوم بل كل لحظة.. فتوقيت ظهور جلسة التصوير للإعلام بعد سويعات قليلة من افتتاح أنفاق قناة السويس الجديدة، وكأن صاحب الصور يرد على الإنجاز المصرى بشكل مضحك وكوميدى للغاية.. وفكرة الرد بهذا الشكل المباشر والسطحى على افتتاح الأنفاق تدل على مستوى الترقب الذى تتعامل به بعض الدول تجاه ما يتم على أرض الكنانة.
الطريف أن أردوغان قد افتتح نفق أوفيت الجبلى الذى ظهر فى الصور المتداولة.. والذى يربط بين «اكيز ديره» و«اسبير» فى ريزى فى عام ٢٠١٨ وليس منذ أيام قليلة كما تحاول الصور والإعلام التركى أن يوحى للناس.. والنفق محفور فى الجبل وليس أسفل ممر بحرى كما هو الحال بالنسبة لأنفاق قناة السويس.. بالإضافة إلى أنه يعانى من الغلق 5 شهور كل عام نظراً لهطول الثلوج والانهيارات الجليدية.. على العكس من أنفاق قناة السويس المفتوحة طوال العام. إن التصرف التركى يوحى، بشكل واضح، مدى تركيز «النظام الأردوغانى» على ما تحققه الدولة المصرية، وليس كما يدعى البعض من عاشقى التشاؤم أن أحداً لا يهتم بما نفعل أو نحقق، وأن الدولة المصرية أصبحت قلب العالم بالفعل، وما يتحقق بها يؤثر بشكل مباشر على الجميع فى المنطقة، بل وفى العالم بأسره!
يعانى رأس الدولة التركية مؤخراً من ضغوط لا يمكن تجاهلها.. فحجم استثماراته التى ضخها عبر عشر سنوات آخذ فى التآكل تدريجياً.. ومساحات النفوذ الاقتصادى تتضاءل يوماً بعد يوم.. الأمر أتى بالتزامن مع دخول الاقتصاد التركى مرحلة خطرة للغاية، فى ظل تسارع انهيار الليرة أمام الدولار، عقب قرار الولايات المتحدة الأمريكية بمضاعفة رسوم وارداتها من منتجات الصلب والألومنيوم التركى، فهبطت الليرة التركية أمام الدولار بمعدلات قاسية.. حتى حلم الخلافة الذى راوده بعد تمكن التنظيمات الإسلامية من دول الربيع العربى، قد تحول إلى كابوس بعد ثورة الثلاثين من يونيو!
يحاول أردوغان استعادة كل ما فقده من خسائر على حساب الدولة المصرية.. مستمداً قوته من خلفيته العثمانية التى كانت تتعامل مع مصر من منظور فوقى.. ومتوهماً أن مصر ما زالت تلك الولاية الممتلئة بالخيرات.. والتى ترسل المكوس سنوياً إلى الباب العالى فى خنوع وضعف!
ينسى الرئيس التركى -أو يتناسى- أن مصر لم تعد كما كانت، وأن النظام المصرى قد استعاد عافيته، وما يتم افتتاحه من مشروعات قومية -تثير غيظه- كل يوم دليل قاطع على أن الأمر لم يعد كما كان.. ولن يعود أبداً. لن يهدأ النظام التركى إلا بنشوب حرب تطيح برأسه الذى حاول الحفاظ عليه باعتقال آلاف المعارضين وغلق الصحف ووسائل الإعلام.. ويدفع ثمن مساندته وحمايته لأنظمة معادية لسيادة الدولة المصرية على أرضه. سيحاول الرئيس التركى مراراً استفزاز النظام المصرى، بالتصريحات تارة وبصور بائسة تارة أخرى.. ولكننى أعتقد أن صدمته ستصبح شديدة حين يكتشف أنه يتعامل مع نظام يحرص على سيادة الدولة أكثر بكثير من حرصه هو على كرسى خلافته المزعومة!