هذه معركة طويلة شارك واشترك فيها أغلب المصريين.. حتى بغير إعلان أو إطلاق نفير للمعركة.. إنما بدافع الإحساس بالمسئولية الوطنية وجد المصريون أنفسهم فى أتون معركة شرسة تستهدف سمعتهم وأخلاقهم ومجتمعهم وأولادهم.. عودة إلى الوراء عدة سنوات ونراجع فى مخيلاتنا شكل الدراما مثلاً فى رمضان.. نتذكر جميعاً حجم الخلل أولاً فى عدم مراعاة حرمة الشهر الكريم.. ثم نتذكر فى التفاصيل حجم المخجل المقدم للناس إلى حد بدأ البعض تحايلاً وترويجاً لأعماله أن يرفع شعار «للكبار فقط» أو «فوق 18» بالمصطلح الغربى للخروج عن الآداب! وكنا نضرب كفاً بكف.. «فوق 18» فى مصر؟ وعلى شاشتها الصغيرة التى تدخل البيوت؟ التى يراها أطفال مصر وأجيالها الجديدة؟ التى تراها ربات البيوت ممن لا متعة لهن إلا مشاهدة التليفزيون وقد صارعن الحياة بكل ما فيها طوال اليوم من أجل أزواجهن وأبنائهن وفى المساء كان قدرهن أن تتسلل إليهن البذاءة صريحة وفى ثوب مسلسلات وبرامج؟
نتذكر جميعاً تفاصيل الخلاعة والانحطاط وكيف قدمت الدراما المرأة والفتاة المصرية: عرى.. خمر.. مخدرات.. سجائر.. إشارات بالأيدى وألفاظ خارجة وعلاقات مع الرجال وخيانة زوجية وحياة خارج الشرع وخارج القانون وحاجب صاعد وآخر هابط ورغبة فى المال بأى طريقة أو صورة وتحريض على السرقة أو التزوير بل والقتل وتلاعب بكل شىء وفى كل شىء من الرشوة إلى الخداع والتدليس واستغلال النفوذ ورشاوى الجنس فى المقدمة ودهس للصغار والضعفاء واستحلال الأرواح والأعراض والأموال وصور لا سابق لها على الشاشة لا الكبيرة ولا الصغيرة من خطف وعنف ودماء لا يمكن حصرها ولا قبولها فى تقليد أعمى بل وغبى لأعمال سينمائية غربية وغريبة عنا وعن مجتمعاتنا تماماً!
لم تتعامل الدولة ضد الخروج عن الأعراف والقانون بالقرارات الإدارية إنما تعاملت بالقانون.. ولم تصدر قرارات جماعية بل تعاملت مع كل حالة على حدة.. بقرارات غير محصنة تقبل التظلم كما تقبل الطعن.. كل ذلك على رؤوسنا جميعاً، لكن يبقى أهم ما يعنينا فى الأمر هو رأى المصريين فى كل ذلك
تلك كانت الحالة على الشاشة بعدد كبير من الأعمال لا يتم صدفة على الإطلاق. أما الحال عند المصريين فكان إلى جزأين، أولهما فى الداخل وقد انعكست الدراما على الواقع وأثرت فيه وشاهدنا جرائم غريبة على حياتنا بما فيها حياتنا «الجنائية» لكن انتقلت أنواع من الجريمة إلى الشارع فعلاً ليس فقط فى أمور اجتماعية خاصة ونادرة جداً بل إلى بعض مظاهر الانتقام من الآخرين وشاهدنا فى بعض الأحياء الشعبية بل والريف المصرى العظيم الذى تحكمه عادات وتقاليد صارمة والكلمة فيه للكبار.. رأينا فيه انتقاماً من الخصوم لم نرَه ولم نعرفه من قبل بخطف من البيوت ثم إجبار على ارتداء ملابس نسائية ثم زفة تجريسية تجوب القرية أو الحى!! وتستمر بعدها حلقة الانتقام والعنف فى دائرة جهنمية من الثأر والثأر المضاد!
أما فى خارج البلاد فقد عاش المصريون أياماً صعبة جداً وهم يعيشون وسط أشقائهم العرب ويشاهدون صوراً مزيفة وغير حقيقية ولا تعكس واقع مجتمعهم بأى حال.. صحيح لم يعد المجتمع كما كان.. وصحيح تطورت الجريمة فى بلادنا بشكل لم يسبق له مثيل.. لكن ظل كل ذلك فى حدوده وبنسب لا تمثل عموم المصريين، والأهم أن الخروج عن التقاليد والقيم بقى شذوذاً مرفوضاً واستثناءً غير مقبول حولته هذه النوعية من الدراما إلى أصل.. وكان الأمر محرجاً لأبناء مصر فى الخارج خصوصاً وهم فى معركة مع الحياة لبناء مستقبلهم وأولادهم وفى غربة مريرة لم يكن ينقصها ما يزيد أوجاعها!
بين ذلك كله لم يسلم المصريون من تسلل الابتذال من خلال عدد من البرامج التليفزيونية بل والإعلانات.. تستخدم المنهج نفسه للترويج لنفسها اعتقاداً أن توظيف الجنس والتعرض للحياة الخاصة والأسرار العائلية التى لا ينبغى ولا يصح أن تكون مثاراً للمناقشة أو حتى للعلنية بأى صورة سيجلب لهم ولبرامجهم وإعلاناتهم الترويج الكافى، وكان العبء على المصريين أكبر مما يجب أو أخطر مما يمكن تحمله أو السكوت عليه وكان على الدولة باعتبارها الأمينة على القيم وعلى الأخلاق وعلى صورة الشعب وسمعته أن تتدخل.. فماذا جرى؟
وفقاً للمادة 68 من الدستور يعتبر المجلس الأعلى للإعلام هيئة مستقلة تعمل على تنظيم شئون الإعلام المصرى ولذلك صدر القانون رقم 92 لسنة 2016 ثم صدر القانون رقم 180 لسنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام. وقد أتاح القانون تشكيل لجان تساعد المجلس على القيام بمهامه منها لجنة لتلقى شكاوى المواطنين ضد أى عمل على الشاشة ولجنة لرصد محتوى الأعمال ثم لائحة عن معايير الأعمال المعروضة كلها ولجنة المعايير المقصودة مهمتها تحديد معايير ممارسة العمل الإعلامى ووضع ميثاق الشرف المهنى بالاشتراك مع النقابة المعنية سواء الصحفيون أو الإعلاميون بينما يتحدد دور لجنة الرصد على متابعة توجهات المشاهدين والقنوات الإعلامية واحتياجاتهم الثقافية والإنسانية وتقوم لجنة الرصد بعمل دراسات تحليلية لمضمون البرامج الإعلامية والدراما التليفزيونية وكل ذلك له مواد حددها القانون يتيح للأعلى للإعلام ممارسة دوره فى حماية المصريين من هجوم الشاشة على بيوتهم وقيمهم وأخلاقهم وعقول أبنائهم!
لم تتعامل الدولة ضد الخروج عن الأعراف والقانون بالقرارات الإدارية إنما تعاملت بالقانون.. ولم تصدر قرارات جماعية بل تعاملت مع كل حالة على حدة.. بقرارات غير محصنة تقبل التظلم كما تقبل الطعن.. كل ذلك على رؤوسنا جميعاً، لكن يبقى أهم ما يعنينا فى الأمر هو رأى المصريين فى كل ذلك.. هم من غضبوا ضد أحدهم كان يظهر بانتظام لا عمل له إلا مهاجمة رموز العسكرية المصرية فى أزمانها المختلفة.. واختفى برنامجه بالطبع وبقيت رموزنا كلها.. ومسلسل «سابع عار» أجبر المصريون القائمين عليه على تغيير مساره وتخفيف حجم الخروج عن قيم مجتمعنا.. ورمضان الحالى ترصد اللجان انخفاض عدد الأعمال وهذا مطلوب، ودعونا له من قبل والأهم انخفاض معدل المخالفات.. والمخالفات ليست إلا بذاءة وابتذال بل وانحطاط.. وبالتالى فقد لعبت الدولة دوراً مهماً.. نريده أن يكتمل لتختفى تماماً كل صور المخالفات.. ولكن الصورة أفضل كثيراً ولو سارت هكذا الأمور لوصلنا إلى شاشة نظيفة نأمن معها على أخلاقياتنا وأطفالنا وهويتنا!
السطور السابقة كاملة تفترض «حسن النية» فيما يقدم على الشاشة وأن دوافعه تجارية إنتاجية تنافسية.. وليس الأمر هكذا ولكن لذلك بتفاصيله حديث آخر!