شهدت مصر خلال الأسبوعين الماضيين أوسع حوار حول أوضاع البلد ما بين داعين للثورة ورافضين للفوضى، لكن المؤكد أن هذه الحوارات أظهرت الاحتياج إلى وجود آلية لرصد اتجاهات وآراء الرأى العام، خاصة فى السياسات العامة والاقتصادية، أيضاً مدى الرضا عن أداء الحكومة ومدى إحساس الناس بالتطور الاقتصادى. افتقاد مثل هذه الآلية جعلنا غير قادرين على التكهن بدرجة الاستجابة لدعوات الفوضى، أيضاً لا يجعلنا على ثقة بأن عدم استجابة المصريين ناتج عن الرضا عن السياسات العامة والاقتصادية، أم ناتج عن الخوف من الدخول فى دوائر من الفوضى لم يعد لدى أحد القدرة على المرور بها، لكن المؤكد أن هناك عدم ارتياح واصل إلى حد الأنين لدى الطبقة الوسطى المصرية، وهى الطبقة التى تعد حجر الأساس لاستقرار المجتمع بل وحماية الدولة، هى طبقة تتميز بدرجة من العلم والثقافة والأكثر أنها تتميز بالتعفف، لا تتحدث كثيراً ولا تشتكى كثيراً، لديها أهداف محددة وهى الحفاظ على حياة كريمة وترقية أبنائها بالتعليم، ومع ذلك هذه الطبقة ذاقت الأمرين لتسع سنوات الآن، منذ 2011، كل التغيرات التى مرت بها تحملتها هذه الطبقة بصبر إلى أن قاربت على استنفاده، أصبح التعليم للأولاد محنة كبرى، لم تختر المدارس الخاصة أو الدولية طلباً للمنظرة وإنما لسوء التعليم المجانى، ومع غياب الرقابة على الأسعار أو المحتوى أصبح حتى ما يدفع فى هذا التعليم على غلائه أقل مستوى من المدارس الحكومية التى تعلم فيها الآباء والأمهات، العلاج أيضاً فى مستشفيات خاصة لا ترفعاً على المستشفيات العامة وإنما بحثاً عن مستوى معقول من الخدمة الصحية، حتى مستويات المعيشة أصبحت قاسية مع ترتيب شرائح الكهرباء والمياه والغاز، التى أصبحت تضاعف ما يجب دفعه فى أساسيات الحياة ولا مساحة لشىء آخر لأساسيات الحياة، حتى من دفع قسط أهلكه ليضمن مكاناً فى مدينة شاطئية يروح عن نفسه وأولاده وعائلته وأصدقاء أصدقائه فى إجازة تعاونه على تحمل المزيد، فوجئ بمحاولة إعادته مرة أخرى مفلساً بوضع رسوم غير مفهومة تسمى استغلال الشواطئ، وكأن هناك مؤامرة كونية ضد هذه الطبقة التى تتلفح بالستر وتدفع ثمنه غالياً، هذه الطبقة بحاجة إلى تقييمها تقييماً جيداً وليس تقييماً بمعايير صندوق النقد الدولى التى هدمت بلداناً أكثر ما عمرت، الطبقة الوسطى تئن تحت وطأة الغلاء، وتناضل من أجل البقاء على حافة الحياة الكريمة وإن كان انزلق الكثير منها إلى حد الفقر، لم تعد قادرة على تحقيق الستر الذى لا تطلب أكثر منه، هذه الطبقة التى لم تخرج ولم تستجب لدعوات الفوضى، لكنها بحاجة إلى الاستماع إليها والاستجابة لها، بدلاً من أن تصل إلى طوابير الإعانات وتنضم إما إلى صفوف برامج الدعم الاجتماعى أو طوابير الفوضى الخلاقة.