أن تلصق بداعية -مثل الشيخ محمد متولى الشعراوى- تهمة التأسيس للأفكار الداعشية فهذا اختزال للأمور، وأن ينسب إلى مفكر أو كاتب معين شرف نشر التنوير وإفشائه فى أوساط المصريين فذلك تبسيط مخلّ للمسائل. «الداعشية» كفكرة تدعو إلى قهر الآخرين على عقيدة أو فقه أو مذهب دينى أو رأى أو وجهة نظر كانت موجودة قبل الشعراوى. وقد ذهب الرجل منذ سنين إلى خالقه ولا تزال الفكرة تتلون فى صور وأشكال مختلفة حتى اللحظة. لو كانت الأفكار الخطرة أساسها شخص لهان أمرها كثيراً، ولو كان علاجها يتحدد فى شخص آخر يفرز أفكاراً مختلفة أو ناقدة لها فما أسهل الحل!. الداعشية، ومن قبلها القطبية، ومن قبلهما «الإخوانية»، ومن قبلهم «الحشيشية» نسبة إلى جماعة الحشاشين التى أسسها الحسن الصباح، ليست أكثر من أفكار أفرزتها أحداث وظروف. وهى ليست بالتبسيط الذى يتناوله به البعض، فهى تعبير عن حالة مركبة تتداخل فيها العديد من العوامل الدينية والمذهبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتغير الظروف هو وحده الكفيل بالقضاء على أى فكرة وتذويبها فى العقل والوجدان العام.
الشيخ الشعراوى اشتهر فى سياق ظرف دخل فيه الدين على خط السياسة ودخلت السياسة على خط الدين، وتردد فيه أن النصر فى أكتوبر تحقق بصيحة «الله أكبر»، وكانت أكبر قوة معارضة فيه هى جماعة الإخوان وهو وضع قبلته السلطة السياسية فى السبعينات وما بعدها، وشيخ الأزهر حينئذ مثّل رمزاً صوفياً كبيراً «الشيخ عبدالحليم محمود»، والمدخرات -عصب الاقتصاد- كانت تذهب إلى شركات توظيف الأموال، والبنوك مقسمة ما بين بنوك إسلامية وأخرى غير ذلك!، وأحاديث رسمية عن تقنين الشريعة الإسلامية، ودستور تغير لينص على أن الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع، وواقع إعلامى يتربع التليفزيون على عرشه، ومشاهدون يجدون فى الاستماع إلى الشيخ الشعراوى متعة كبيرة. فى ظل هذه الأجواء اشتهر الشيخ رحمه الله. وظنى أنه لو كان قد ظهر فى إطار ظروف مغايرة لاختلف أمر شهرته بدرجة كبيرة.
لقد غضب بعض الناقدين لأفكار الشيخ من موقف «دراويش الشعراوى» الذين انطلقوا يدافعون عنه، وتأسفوا على رد فعل هؤلاء، ولست أدرى كيف لا يستوعبون العلاقة بين الظرف وانتشار الفكرة، وأن الفكرة تظل قائمة ما دامت أسباب شيوعها بين الناس متوافرة. من ضمن ما ردده الغاضبون وهم يعربون عن غضبهم وأسفهم أن هناك مَن يصر على إضفاء قداسة على الشيخ الشعراوى، وحقيقة أننى أتفق معهم فى حقيقة أنه لا قداسة لأحد، ولا يوجد شخص فوق النقد، فنحن نتناول أداء واجتهاداً بشرياً قد يصيب وقد يخطئ، لكن لو ركز الغاضبون فى تفاصيل المشهد المحيط بنا فسوف يجدون أنفسهم وغيرهم يدافعون عن فكرة القداسة تلك، ولست أستطيع أن أنتقص حقهم فى ذلك ما دامت تلك وجهة نظرهم -التى لا أتفق معها بحال- لكن يبقى أمران أولهما أن عليهم أن يحترموا غيرهم إذا أسس تفكيره -فى مواقف مختلفة- على فكرة القداسة، وثانيهما ضرورة التنبه إلى أثر الظرف على طريقة التفكير وكذا على الأفكار التى تتردد على الألسنة.