نحن شعب يتنفس عشق كرة القدم منذ قديم الأزل، نفرح بمعانقة تلك الساحرة المستديرة للشباك، ونحزن لخسارة فريق نشجعه، نثبت يوماً بعد يوم أننا بلد يتوق للانتصارات الكروية، ويدعم كل مَن يرفع علم مصر فى أى محفل، حتى ولو كان لاعباً استغل مهارته وكفاحه وإصراره على التفوق والانطلاق نحو العالمية، نحن الملايين الذين يصفقون ويهللون ويهتفون باسم النجاح الكروى فى أى مكان فى العالم.
بعض الدول تعتمد بشكل أو بآخر فى اقتصادها على كرة القدم وصناعتها، وتنتظر بفارغ الصبر تنظيم بطولة أو حدث كروى ينعش اقتصادها، تعلم وتدرب وتصنع نجوماً تصدرهم لدول العالم، تحصد الأموال والشهرة العالمية، وتحصد أيضاً سمعة للاعبيها ومنتجها النهائى فى دوريات العالم، ومنها دول أفريقية، يكفيك أن تقول إن هذا اللاعب نيجيرى أو كاميرونى أو غانى أو إيفوارى، وتجربتنا الأخيرة مع اللاعب محمد صلاح، أضافتنا لقائمة الدول صاحبة الأمل فى تلك السمعة وهذا الصيت الذائع للمهارة والنجاح والتفوق.
والتساؤل هنا: لماذا لا نستثمر هذا الحب والاهتمام البالغ من المصريين فى التوجه لتلك المنطقة من الاستثمار الفعلى، وتفريخ اللاعبين المحترفين أصحاب الأسماء اللامعة فى إطار حكومى، كلنا رأينا ماذا فعل ويفعل أحد رجال الأعمال السعوديين بضخه ملايين الجنيهات فى أحد الأندية وإشعاله المنافسة فى الدورى المصرى العام الماضى، وربما كان هذا سبباً فى اهتمام عدد كبير من الأسر بتنمية مواهب أبنائها فى تلك اللعبة التى أصبحت حلماً للثراء، ليس عيباً أن تستثمر فى ابنك أملاً فى أن يصبح بطلاً يوماً ما.
هذا الاهتمام الذى يبدأ من البيت ثم المدرسة ثم مراكز الشباب فالأندية وأكاديميات كرة القدم سيؤتى ثماره آجلاً أم عاجلاً، فكل طفل هو مشروع لاعب نجم، إن كان لديه جزء من الموهبة، لكنه لن يذهب بعيداً إذا لم يستثمر تلك الموهبة وينميها من حوله، وإذا ذهبت للقرى والشوارع الضيقة والحارات، ستجد مهارات مبهرة لأطفال يلعبون دون حذاء، مهارات تنبئ بمستقبل سينتهى سريعاً فى ظل روتين الحياة، بلا كشافين حقيقيين للمواهب واصطيادها واستثمارها لمستقبل اللاعب ومستقبل النادى ومستقبل مصر، الأمل فى هؤلاء فعلاً، فكل منطقة وقرية وكفر يحتضن نموذج محمد صلاح صغير يحتاج من يراه ويوصل فنه ومهارته للجميع.
كلنا رأينا المشهد نفسه يتكرر، مائة ألف مواطن محب لكرة القدم يتجمعون فى استاد القاهرة، يتطلعون لهدف من أقدام صلاح ورفاقه، يخذلهم منتخب الكبار، فيعودون من جديد، يدعمون ويؤازرون المنتخب الأولمبى بكل قوة وجسارة، حتى يحصد لقب الأمم الأفريقية، لكن من يفكر فى نشأة هؤلاء اللاعبين أو طريقهم الذى وصلوا من خلاله إلى هذا المستطيل الأخضر ليحملوا كأساً ويحملوا معه طموحات شعب قوامه المائة مليون، يعشق تلك اللعبة، ويعشق مَن يقدم لهم لاعبين جدداً يكررون الانتصارات ويحملون اسم مصر وعلمها فى كل العالم.