تمنينا عاماً هادئاً، لا يحمل الأسى والألم مثل سابقه، لكن يبدو أن تمنياتنا تخيب مع كل خبر صادم ينقر على أوتار القلوب سيمفونية الحزن الثابت فى دورة الحياة، هنا قلوب يُفطرها الوجع من فراق مفاجئ دون مقدمات لا يفرق بين صغير وكبير، وهناك حروب مشتعلة مدادها الصراعات الطائفية والعرقية، والبحث عن دور فى المنطقة المتهالكة، ونهب الثروات المستترة على حافة الجرف، الأرض تنتفض بمن عليها، وغضب الطبيعة ينضم إلى غضب البشر، يتماهيان معاً ليزيدا من فرط الإحباط الذى يسكن نفوسنا.
هل تأملت حالك بعيداً عن المؤثرات الضاغطة؟ هل قيّمت حياتك فى ظل تسرب اليأس وفقدان الأمل؟ عملية شحذ التفاؤل لا تأتى من الفراغ، بينما نتنفس كل يوم أدخنة الأزمات المتصاعدة، ما ذنب المواطن فيما يفتعله الكبار من أزمات دولية وصراعات إقليمية، مَن يدفع الثمن؟ الكبار لا يطالهم الشرر، لكننا عالم الصغار نحترق به! إذا حاولت الهروب من صداع الفضائيات التى تلقى بقذائفها عليك على مدار الساعة، وتصدّر لك أزمات الكون دون طرح البدائل، تدور فى فلك السوشيال ميديا التى لا تقل عبثية وخطورة عن التليفزيون، تحاول أن تهرب بعقلك قبل أن يمسه الجنون لتجد مَن حولك يحاصرك بهمومه وأخباره القاتمة، المواطن أسير لعبة الكبار الذين يقامرون بحياته فى أندية الشطرنج، يتبارون لـ«كش الملك»، لكن الملك لا يموت، والجندى يقتل ولا يلتفت له.
تركيا تتدخل فى ليبيا وسوريا طمعاً فى دور إقليمى، تدوس على القوانين والأعراف الدولية دون اكتراث، إيران تقارع الولايات المتحدة ولا مقارنة بين القوتين، لكنها تراهن على حلفائها فى المنطقة ليحاربوا عنها بالوكالة، لتسقط دماء مواطنين لا ذنب لهم فداءً للقيادات والحسابات السياسية، ويسقط فى منتصف صراعهما الزائف وسياسة تبادل الأدوار، ضحايا الطائرة الأوكرانية ذات الجنسيات المختلفة، لتحرق قلوب أقربائهم، فما ذنب هؤلاء؟! ومَن يدفع الحزن عنهم؟ لبنان يئن بالوجع ويصرخ من الفساد، والسياسيون لا يبالون، فهم فى موقف المتفرج، بينما ينهار اقتصادهم، إسرائيل تفعل ما تشاء، تنهب الأرض وتوسّع المستوطنات وتفعّل القوانين العنصرية وتضرب سماء غزة حين يحلو لها، فمن يحاسبها على غرورها وهى فى أزهى سنوات الاستقرار؟ صواريخ الحوثيين تنطلق من هنا وهناك تحصد أرواح مَن فى طريقها دون حساب! والنتيجة.. لا شىء؟! هذا غيض من فيض، فهل نستحق أن نوضع فى تلك الأحجية نفك طلاسمها؟ ومن يقرر لنا نمط الحياة التى ننشدها؟
الموت قدر والحياة هبة وحاجة، فهل نستطيع التفاؤل واستنهاض تلك الحاجة من سباتها فى ظل ظروف متخمة بالصراعات والتشوهات والعبثية؟! المناخ العام قاتم، مثخن بالأحداث التراجيدية المتسارعة والأزمات يصنعها الكبار ليعيشها الصغار، وعليك أن تتحمل! تتحمل تنظير الخبراء والمتنفذين وصُناع القرار وكل من يمتلك موهبة معسول الكلام، عليك أن تبتلع لسانك وتصمت وتنظر إلى حياتك متفائلاً، لا غبار عليها، فأهلاً بك فى عالم العبث واللامنطق، لكنّ عزاءنا أننا ما زلنا فى البدايات لعام جديد، نأمل «وإن كنا نشك» أن يكمل طريقه بشىء من الاستقرار والهدوء، فأكثر فلاسفة وأدباء العالم تشاؤماً، مثل شكسبير وأرسطو أبطال السوداوية والتراجيديا المغرقة فى الأسى، اختاروا أن تظل هناك نقطة ضوء فى نهاية النفق، لعل وعسى. فلا حياة دون شعاع من أمل يداعب أحلامنا، حتى ولو كان سراباً.