كلما قررت غلق باب الكتابة عن المستشفيات الخاصة ومغالاتها فى أسعار الخدمة الطبية تنهال علىّ رسائل كثيرة تحمل معاناة المواطنين الذين يجبرهم حظهم السيئ على الذهاب مضطرين للعلاج فى هذه المستشفيات.
الاستمرار فى تناول هذا الملف يحمل مخاطر كبيرة على غرار فيلم «اللعب مع الكبار» للنجم الكبير عادل إمام، وهى ليست بطولة منى بقدر ما هو ضعف أمام ما يصلنى من وقائع مؤلمة وأيضاً ربما أكون سبباً فى تصحيح مسار خاطئ.
د. أحمد عارف، أستاذ طب النساء بقصر العينى يقول: حضرت إلىّ إحدى السيدات فى عيادتى للمتابعة الدورية، وذكرت لى أنها ذهبت للكشف على ابنها فى مستشفى كليوباترا (أطفال)، ففوجئت أن الكشف ٨٠٠ جنيه، اضطرت لدفعه على ألا تذهب مرة أخرى إلى هناك. السؤال هنا: هل تستطيع السيدة الوزيرة أو نقابة الأطباء عمل حد أقصى لقيمة الكشف لهذه البدعة الجديدة من المستشفيات الخاصة التى أصبحت تملكها الآن شركات أجنبية؟! أضيف إلى كلام د. عارف أن هناك شكاوى كثيرة جداً من هذا المستشفى وأسعاره الباهظة وسوف تتزايد لأنه يسعى لاحتكار الخدمة الطبية من خلال اندماجه مع مجموعة «ألاميد» وكلاهما يمتلك سلسلة مستشفيات خاصة كبيرة واندماجهما سوف ينتج عنه كيان عملاق يتجاوز 2000 سرير يتحكم فى القطاع الطبى.
الأمر الذى جعل جهاز المنافسة ومنع الاحتكار يطالب وزارة الصحة بوقف صفقة الاندماج التى من شأنها رفع الأسعار على المريض وتقييد خياراته المتاحة فى الحصول على أفضل الخدمات بأقل الأسعار.
أنا من أشد المتحمسين للقطاع الخاص فى كل المجالات إلا الطب، حتى لا يتحول إلى سلعة وتجارة، والحل الوحيد لضبط المنظومة هو ما تفعله الدولة حالياً من خلال تطبيق قانون التأمين الصحى الشامل، فهو طوق النجاة، ولذلك من المتوقع تعرضه لحرب شرسة لإفشاله، ولكن دعم رئيس الجمهورية شخصياً يضمن نجاح المشروع، المشكلة أن تطبيق القانون على جميع المحافظات يحتاج وقتاً طويلاً، وفى هذا استنزاف لأموال وصحة المواطنين، ولذلك بالتوازى مع تطبيق التأمين الصحى أتمنى إحياء قانون المستشفيات الجامعية الذى طرحه «د. السيد عبدالخالق»، وزير التعليم العالى الأسبق فى حكومة المهندس «إبراهيم محلب»، وتعرّض وقتها لهجوم شديد من أصحاب المستشفيات والعيادات الخاصة.
وكانت فكرة القانون هى تشغيل العيادات الخارجية والعمليات بالمستشفيات الجامعية فترة مسائية بأجر رمزى ينفق منه على تطوير الخدمة وزيادة أجور الأطباء والتمريض مع تفرغ الأطباء للعمل الحكومى. وأظن أن المواطن الذى يدفع غصباً 800 جنيه فى كشف الأطفال لمستشفى خاص لن يمانع فى دفع 100 جنيه راضياً لمستشفى جامعى خلال الفترة المسائية.
الحل للسيطرة على غول أسعار العلاج بالقطاع الخاص هو زيادة تشغيل المستشفيات الحكومية، وهى قادرة على ذلك ولديها إمكانيات هائلة لا تُستغل.
هناك قضية أخرى مهمة، وهى محاولات تعطيل أجهزة الدولة لصالح القطاع الخاص، فليس منطقياً أن تصل قائمة الانتظار ثلاث سنوات لجراحة استئصال بروستاتا أو غضروف الركبة، فإهمال صيانة الأجهزة وتعطيلها يكون غالباً بفعل فاعل من أجل تحويل المرضى من المستشفيات الحكومية إلى الخاصة.
أما القضية الأخلاقية الخطيرة الأخرى والتى أصبحت ظاهرة فهى عدم استطاعة المريض بالمستشفى الحكومى رؤية طبيبه إلا بعد الذهاب له فى عيادته الخاصة وسداد قيمة الكشف. والله الموفق والمستعان، واللهم احفظ مصر.