فى واقعة تمثل قمة عدم التخطيط والتخبط الإدارى الذى اعتدنا عليه فى كل ما يخص منظومة الحكم المحلى فى بلادنا، وتحت عنوان: «محلية البرلمان تمنح رئيس الوزراء شهراً لحسم اختصاصات نواب المحافظين»، جاءت تفاصيل مدهشة عندما تقرأها ستتذكر فوراً المشهد العبقرى الذى لا يُنسى لفنانة الكوميديا الرائعة «مارى منيب» فى مسرحية «إلا خمسة» عندما خاطبت عدة مرات الفنان القدير «عادل خيرى» قائلة: «إنت جاية اشتغلى إيه؟!».
فقد كشف اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب أمس عن مفاجأة صادمة بكل المقاييس، وهى أنه لم يتم تحديد أى اختصاصات، أو صلاحيات لنواب المحافظين الذين تم تعيينهم مؤخراً، وهو ما دفع وزير التنمية المحلية إلى مخاطبة المحافظين لتحديد اختصاصات لنوابهم.. وقد علق على هذا الموضوع رئيس اللجنة قائلاً:
«سننتظر ونعطى فرصة شهراً لمجلس الوزراء لإنهاء هذه المسألة، فإذا لم تحدد اختصاصات واضحة لنواب المحافظين، فسنعقد جلسة لبحث ودراسة هذا الأمر».
وهنا تبرز أسئلة مهمة لا بد أن يجيب عنها بمنتهى الأمانة والموضوعية المختصون فى مجلس الوزراء، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ووزارة التنمية المحلية، إذا كنا جادين حقاً فى اللحاق بركب العالم المتقدم:
1- هل تم اتباع المنهج العلمى السليم، والخطوات المتسلسلة الصحيحة عند استحداث هذه الوظيفة (نائب المحافظ)؟
2- لماذا لم يتم الإعداد المسبق لبطاقة الوصف الوظيفى المتضمنة واجبات ومسئوليات واختصاصات وصلاحيات وقدرات وخبرات ومهارات ومؤهلات شاغل هذه الوظيفة، التى يتم بناءً على أساسها اختيار ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، وتحديد راتبه ودرجته الوظيفية؟
3- هل تم الإعداد المسبق لخريطة الجدارات الخاصة بهذه الوظيفة؟
4- ألا يشكل تعيين نواب للمحافظين دون تحديد اختصاصات وصلاحيات ومسئوليات لهم إهداراً للوقت والجهد والمال؟
5- على أى أساس سيتم تقييم عمل نواب المحافظين دون وجود اختصاصات واضحة لهم؟
6-ألا يعطينا ما حدث مؤشراً بوجود خلل ملحوظ فى بنية التخطيط الاستراتيجى لدى الجهات الثلاث يستوجب معالجة فورية؟
أرجو أن نعى وندرك جيداً أن الولوج إلى دنيا العالم المتقدم، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التى ننشدها جميعاً، لن يتحققا أبداً مهما بذلنا من جهد، إلا إذا فضلنا العلم على ما سواه، وقدمنا التخطيط على العشوائية، وبعدنا كل البعد عن التسرع فى اتخاذ القرارات دون دراسة كافية، ونحّينا الأهواء والمجاملات جانباً، وقدمنا عليها الأخذ بكل أسباب العدل والمساواة بين جميع أبناء الوطن.
كما أرجو من السيد رئيس الوزراء أن يوجه بسرعة تدارس هذه الأخطاء بعناية شديدة، للوقوف على الأسباب الحقيقية التى أدت إلى عدم اتباع القواعد والآليات الصحيحة المنظمة لمثل هذا النوع من الأعمال، مع اتخاذ القرارات التصحيحية اللازمة والموقوتة التى تضع الأمور فى إطارها الصحيح، وتراعى ذلك مستقبلاً، لأن التأخير فى المعالجة سيزيد الأمور سوءاً، وسيؤدى لمزيد من التخبط وعدم وضوح الرؤية، ووجود بيئة عمل غير صالحة، ومليئة بأسباب الاحتقان والصراعات، وضعف التعاون والتنسيق داخل دواوين عمل المحافظات، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على الناتج النهائى المرجو من استحداث هذه الوظيفة، التى توسمنا فيها خيراً نحو فتح مسارات جديدة متميزة ومؤكدة لتمكين الشباب.
مع كل الأمل والرجاء أن يصدر قانون الإدارة المحلية الجديد متكاملاً فى أسرع وقت ممكن بإذن الله.