فى خطوة رائعة غير معتادة تمثل نموذجاً يستحق الاقتداء به من قبَل جميع السادة المحافظين فى تطبيق مفهوم اللامركزية، قام محافظ كفر الشيخ، فى نهاية الأسبوع الماضى، بتكريم ستة شبان من مركز ومدينة «بيلا»، لتطوعهم بتنفيذ فكرة مبدعة، حيث قاموا بإنتاج عدد من الأفلام الروائية القصيرة لمحاربة العادات السيئة فى المجتمع، وبثوها عبر مواقع التواصل الاجتماعى واسعة الانتشار، لتحقيق أثر توعوى عظيم الإيجابية ويحتاجه الناس بشدة فى الوقت الحالى.
أؤمن إيماناً راسخاً بالحلول اللامركزية لجميع المشكلات، وأرى أنها دائماً ما تكون الأجدى والأسرع والأكثر خيالاً والأنسب ظروفاً بين جميع البدائل المتاحة. وإذا طبقنا هذا المفهوم على مشكلات الشباب، فإن الإحصاءات الحكومية الرسمية تدلنا على أن ثلثى سكان مصرنا المحروسة فى سن الشباب، وهم يمثلون، بلا أدنى شك، وطبقاً للمعايير العالمية للتنمية البشرية، كنزاً هائلاً وطاقة جبارة وكاسحة لم نحسن استغلالها لامركزياً بعد، بل على العكس نجد جميع المحافظات، بلا استثناء، بدلاً من التفكير فى حلول مبتكرة وعملية يمكن من خلالها تحويل طاقات الشباب الخلاقة إلى إنتاج تنموى واجتماعى وثقافى غير مسبوق داخل نطاق المحافظة، نجدها تعتمد على الحكومة -المكبلة أساساً بالعديد من الأعباء والتحديات- اعتماداً كلياً فى هذا الشأن، وهو ما ينسف فكرة اللامركزية من أساسها، ويحول هذه الطاقات الجبارة إلى طاقات مهدرة كان يمكن لو أُحسن استغلالها وتوظيفها فى إطارها الصحيح أن تخطو معها كل محافظة خطوات عملاقة نحو تحقيق التنمية المستدامة لمواطنيها، بل وتحقيق الرفاهية لهم على المدى المتوسط والبعيد. وهنا أتساءل: لماذا ينتظر دائماً جميع المحافظين أن تبادر مؤسسة الرئاسة أو الحكومة بطرح الحلول فيما يخص الاستفادة من طاقات الشباب؟ ولماذا لا يبادرون هم بأنفسهم بفعل ذلك؟ لماذا لا يبدأ كل محافظ فترة قيادته للمحافظة بعمل مؤتمر موسع للشباب، ذى أجندة هادفة، يمكن من خلاله أن يتعرف على المشكلات الحقيقية للمحافظة بعيداً عن تجميل الأجهزة المحلية والتنفيذية لهذه المشكلات، وكذلك يمكن له من خلاله أن يتعرف على كل طموحات الشباب فى نطاق محافظته، تمهيداً لتحويلها إلى واقع ملموس من خلال آليات ومشروعات ومصادر تمويل إبداعية، بالتعاون مع العديد من أبناء المحافظة؟ لماذا لا تسعى كل محافظة على حدة لأن تنشئ كياناً مالياً قانونياً يمكن من خلاله، ودون تحميل ميزانية الدولة أى أعباء، تمويل مئات الآلاف من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للشباب والشابات، والتى يمكن من خلالها حل مشكلة البطالة بصورة لامركزية فى نطاق المحافظة، وكذا يمكن أن تمثل هذه المشروعات قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة التى ننشدها، والتى حققت فيها العديد من الدول نجاحاً باهراً مثل الصين؟
لماذا لا تقوم المحافظات باستغلال طاقات شبابها الجامعى والمثقف فى محو أمية أبناء المحافظة بصورة حقيقية وليس على الورق فقط مقابل مكافآت مجزية، مع الحرص على تكريمهم على نحو لائق وراقٍ؟ لماذا لا تستغل المحافظات طاقات شبابها وخريجيها الذين يتمتعون بالثقافة الواسعة، والمشهود لهم بالسلوك الحميد والخلق الرفيع فى عمل حملات توعية طوال العام تجوب كل شبر من أرض المحافظة، تساهم فى بناء الوعى العام، وترسخ لفكرة تغيير الأنماط السلوكية للمواطنين فى جميع المجالات للأفضل والأحسن، وتنشر الذوق الرفيع والحس الجمالى فى كل بيت، وتسمو بالإنسان وتجعله أكثر إتقاناً وتسامحاً وعدلاً، وتزيل من العقول كل أسباب الغلوّ والتطرف، وتجعل الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل استخدام الألفاظ المسيئة والتحرش.. إلخ، إلى زوال؟
إن العمل اللامركزى المبدع والمتقن والمحدد بجداول إنجاز زمنية فيما يخص الاستفادة من طاقات الشباب سيكون عظيم النتائج بصورة مبهرة إذا ما توافرت الإرادة والرؤية لدى جميع المحافظات.