اعتمد المشير عبدالفتاح السيسى منذ لمّح أو أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة على آليتين مرتبطتين فى العمل استمرتا معه حتى ساعته بهدف حفظ شعبيته.
أولاهما هى استهلاك الوقت وإضاعته بالقدر الممكن حتى تقترب ساعة الانتخاب وجعل مسافته منذ لحظة التصريح وحتى الآن بلا ارتباط ولا التزام ولا تعريف ولا توضيح ولا رد على تساؤلات أو تكهنات، اتضح هذا عندما ظل فى منصبه كقائد للجيش حتى آخر ساعة متاحة كرجل عسكرى لدخول الانتخابات؛ إذ أعلن ترشحه مساء وقام بتغيير بطاقته وتسلمها فى يوم واحد (التالى)، بينما لا تتغير بطاقات المواطنين فى يوم واحد، بل من أسبوع لأسبوعين طبقاً للنظام السارى فى مصلحة الأحوال المدنية!
ربما كان السعى ألا ينقطع الحبل السرى بالمؤسسة الموقرة التى أجرى بها ترتيبات استثنائية فى ساعاته الأخيرة! وبالتزامن تأخرت لجنة الانتخابات الرئاسية أسبوعين فى إعلان الترشح بلا سبب واضح واختصرت فترة الدعاية.
وقد كنا نتصور أنه بمجرد استقالته وخلعه للزى العسكرى سوف يلاقى أسئلتنا بترحاب وعلى عجل بالإجابات وسوف يحدثنا عن مشاريعه وأفكاره ورؤاه، سواء من خلال مؤتمرات أو لقاءات صحفية أو من خلال القنوات التليفزيونية لكى نعرفه أكثر، ولكن ذلك لم يحدث، وهذه هى الآلية الثانية التى اتبعها السيد السيسى، ألا وهى التزام الغموض أو الصمت إلا قليلاً فى تصريحات مقتضبة والابتعاد قدر الإمكان عمَّا يزيد الناس علماً بنواياه تجاههم أو مشاريعه لهم، العقود أياً كانت تلزم أطرافها بانتفاء الجهالة وصحتها تقوم على المعاينة التامة لا الغامضة ولا الخاطفة، وقد كان القول المقال: إن عمله السابق يمنعه من ممارسة السياسة، إلا أن شيئاً لم يتغير عمَّا كان عليه حاله قبل الاستقالة وظل ملتزماً بالعزلة عن الإعلام والصوم عن الكلام، مما يشير إلى أن هذا التزام ومنهج عمل.
وقد ظهرت أهمية هذا النهج بالنسبة له عندما تقلصت شعبيته من 51% إلى 39%، حسب مركز «بصيرة»، بعد حديثه فى مؤتمر شباب الأطباء، فضلاً عمَّا ناله من سخرية الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى، وبينما تحدث فى هذا المؤتمر فى السياسة والاقتصاد، وهو عسكرى، لم نسمعه يتحدث بعده فى أى منهما. وفى حديثه، أكد أن مشكلة الزيادة السكانية لم تواجَه منذ 40 سنة وأنه لا توجد موارد للحل وتساءل وكرر: «منين؟ مفيش مفيش»، ثم انتهى إلى مطالبة 9 ملايين مصرى فى الخارج بالتبرع بشهر من مرتبهم (عشان الغلابة تعيش) وطالب المصريين فى الداخل بالتقشف والمشى مثلاً بدلاً من الركوب، وتقديم شىء للوطن قبل التفكير فى الزواج!
ولهذا كنا نحب أن نسمعه ثانية لنتعرف على المزيد من أفكاره. هذا الحديث هو حديث «مبارك» بالضبط، الذى كان يرجع الأزمة دوماً إلى «انتو كتير.. ونجيب منين؟».
ومما يُذكر أيضاً عن «مبارك» أنه عندما كان يترشح للرئاسة كانت حاشيته تنظم الجماعات والأحزاب التى ستأتى له بقصره لتبايعه، وقد كان منها الأحزاب القديمة كـ«الوفد» و«التجمع»، وهو نفس المشهد الذى نراه الآن رغم أنه يُفترض أن زمن الاستفتاءات ولَّى بعد الثورة! الفارق أننا كنا نعرف مكان لقائه بهم ونسمعهم!