سبق لكاتب هذه السطور أن دافع عن حق كل دولة عربية فى اتخاذ ما تراه محققاً لمصلحتها الوطنية، دون حاجة إلى الاستئذان من أحد. ولم تحظ وجهة النظر هذه بتأييد معظم الفلسطينيين وبعض من العرب، وهذا حقهم. وشنت القيادات الفلسطينية، سواء فى السلطة أو فى فتح أو فى حماس، هجوماً ضارياً على كل من الإمارات والبحرين. وتعرضت جامعة الدول العربية لهجوم قاسٍ من مسئولين فلسطينيين رفيعى المستوى استخدموا ألفاظاً غير لائقة، بسبب موقف الجامعة من هذين القرارين. وبلغ الهجوم على الجامعة مدى أبعد تمثل فى اعتذار فلسطين عن الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة «لأن ذلك لا يشرفها». بيد أن القيادات الفلسطينية فى كل من فتح وحماس التى ما فتئت تهاجم أبوظبى والمنامة منذ الإعلان عن القرارين الإماراتى والبحرينى، أقدمت على خطوات تتسق مع وجهة نظرنا حول المصلحة الوطنية. لقد استجابت كل من فتح وحماس للدعوة التركية للاتفاق على المصالحة وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد طول انتظار. ولا يسعنا إلا أن نهنئ الشعب الفلسطينى فى كل من الضفة والقطاع على استجابة قيادات فتح وحماس للوساطة التركية، بعد النكوص المتكرر من كل منهما عن الاتفاقات التى عقدت بوساطات عربية، لاسيما مصرية وسعودية، استمرت زهاء ثلاثة عشر عاماً من الانقسام الذى أعقب صراعاً دموياً فى قطاع غزة، لم تكن الإمارات ولا البحرين ولا جامعة الدول العربية سبباً فى اندلاعه ولا فى استمرار آثاره. ولا أظن أن القيادات الفلسطينية التى كالت عبارات المدح والثناء لتركيا ولرئيسها، بنفس الحماس الذى وجهت به الاتهامات والسباب إلى الإمارات والبحرين وجامعة الدول العربية، لا تعلم أن تركيا تحتل الشمال السورى منذ عدة سنوات، وسوريا بالمناسبة دولة عربية، وهى الداعم الرئيسى للعصابات المسلحة فى شمال سوريا، وهى أحد العوامل الأساسية لاستمرار الحرب الأهلية فى سوريا منذ قرابة عشر سنوات، إن لم تكن العامل الأساسى. يضاف إلى ذلك أن تركيا، التى هللت القيادات الفلسطينية لموقفها، تكرر منذ عدة سنوات الاعتداء على الأراضى العراقية، والعراق دولة عربية. ولا أعتقد أن القيادات الفلسطينية لا تعلم أن تركيا تنقل الإرهابيين المرتزقة إلى ليبيا، وهى دولة عربية، وتضطلع بدور رئيسى فى تأجيج الصراع الليبى الليبى.
أخيراً، لا أشك فى أن القيادات الفلسطينية لا تعلم أن لتركيا علاقات متميزة مع إسرائيل منذ إنشائها حتى الآن، وأن لإسرائيل سفارة فى أنقرة. وتعلم القيادات الفلسطينية أن تركيا حافظت على العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل طوال سبعين عاماً، ولم تفعل ما أقدمت عليه عدة دول أفريقية صديقة قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973 تضامناً مع مصر. وعندما سُئل أحد الرؤساء الأفارقة السابقين، وكانت دولته تحظى بعلاقات متميزة مع إسرائيل، عن قطع العلاقات مع تل أبيب، أجاب: كان علىّ أن أختار بين الشقيق والصديق، فاخترت الشقيق، وكان يقصد مصر.
إذا كانت هذه هى تركيا ومواقفها من الدول العربية، فلماذا تعطى القيادات الفلسطينية نفسها الحق فى أن تحظى بعلاقات متميزة مع دولة شديدة العداء لعدد من الدول العربية، ظناً من تلك القيادات أن ذلك يصب فى مصلحة القضية الفلسطينية، فى حين تنكر على الدول العربية الأخرى أن تتخذ القرارات التى تتسق مع مصلحتها الوطنية؟ أيها الخجل.. أين حُمرتك؟