الحكومة وضعت الشعب فى مأزق محرج، فلا هو قادرٌ على الرفض العنيف، ولا هو قادر على الانضمام إلى طابور المعارضين، فالأول إقرارٌ بسوء الاختيار والثانى خيانة للوطن، فكتم الشعب غيظه فى فمه وقرّر الصبر على البلاء، لا يسمع لهواجسه ومخاوفه ولا يسمع للإخوان والمعارضين. الغيظ يقلل من أرصدة الحب، والمعاناة تغلق العقل عن الفهم، والحاجة تصد القلب عن الرضا، فإذا فقد الناس الحب والفهم والرضا، استدارت لحكامها، وسارت عكس الاتجاه، وهى تعلم أن الطريق مُقفر ومُظلم ومُهلك فى نهايته.
سيدى الرئيس قالوا إن القرار الصواب والصحيح تسبقه ظروف مناسبة وإلا أصبح هو والقرار الخاطئ أمرهما واحداً، كالمثل الذى يقول «العملية نجحت والمريض مات».
وما دمنا قد ألفنا «العك والفهلوة» لمدة ستين عاماً فلن يزيد الطين بللاً شهوراً معدودة، حتى نفرغ من الانتخابات البرلمانية، التى تُسن لها السكاكين والمشارط للسطو عليها، ليس لمصلحة الدولة المصرية ورفع المعاناة عن شعبها، ولكن لتعطيل حركة الرئيس والتضييق عليه ومحاربته من السلفيين والإخوان وغيرهم، واستغلال غيظ الشعب وحنقه فى استقطاب البسطاء منهم لتأييدهم فى مخططهم فى ظل غياب القوى المدنية والثورية الداعمة لرئيس الجمهورية فى البرلمان المقبل.
إن رفع أسعار المحروقات فى شهر رمضان بأعبائه الأسرية الزائدة عن معدلها الطبيعى، وتصاعد حدة اضطرابات الإخوان، وظهور ما يُسمى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، ودعوتها كل الإسلاميين إلى الانضمام إليها فى وجود مباركة من الإخوان المسلمين وغيرها، يستوجب هذا الأمر دراسة القرار بدقة قبل إصداره وإلا أصبح القرار فى وادٍ والغضب فى وادٍ آخر.
ابحث يا سيدى فى طوابير الشعب من يدفع أولاً ثمن الهم والعجز العام، ابدأ بإزاحة جبال المستشارين فى الشركات والجهات الحكومية أصحاب الحظوة والنفوذ الذين يتقاضون الملايين من ميزانية دولة منهكة القوى دون فائدة، أمامك يا سيدى الصناديق الخاصة التى أصبحت دولة فساد ومحسوبية انفصلت تماماً عن فساد الدولة المصرية وأصبحت موازية لها وشكّلت أخطبوطاً لا يمكن الاقتراب منه، وسع يا سيدى دائرة المحاسبة الضريبية من أباطرة التعليم الخاص، ومراكز الدروس الخصوصية، وأباطرة العلاج من الجراحين الذين يتقاضون الملايين خارج حساب المستشفيات بلا ضرائب للدولة التى علّمتهم وأرسلتهم فى بعثات من جيب مُنهك انتظاراً لإعانتها، ابحث عن الأرباح الطائلة لرجال الأعمال الذين احتكروا الصناعات المختلفة والتجارة ويُخفون ميزانيتهم فى نهاية العام بالتواطؤ من مكاتب المحاسبة وموظفى الضرائب، ابحث عن متأخرات مصلحة الضرائب لدى جيوب المنتفعين والمتهربين، ابحث عن تخفيض البعثات الدبلوماسية فى الخارج الذين لا نفع منهم ولا فائدة، ابحث فى تعيينات الوساطة والمحسوبية فى شركات البترول الخاسرة الذين يتقاضون أرباحاً على خسائرها، ابحث عن السيارات الحكومية التى تجوب الشوارع بأبناء المحظوظين، ابحث فى الاستهلاك الدامى للمياه والكهرباء فى المصالح الحكومية، اقتحم بيديك عش الدبابير، واضرب على أيدى المحاسيب والمنتفعين والاستغلال حتى يشعر المواطن أن الطابور الذى يقف فيه انتظاراً لسداد ما عليه من أعباء الدولة قد أتى عليه الدور بالعدل، فيدفع وهو راضٍ وقانع، لأنه قد وجد من سبقه فى السداد كان أكثر منه ترفاً ونعيماً وراحة.
وما دام قد سبق السيف العزل ولن تتراجع الحكومة فى القرار وهو حتمى ولا مهرب من اتخاذه، كن حذراً فيما هو مقبل، فهذا الشعب قدر حُبه قدر غضبه.