بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وكانت سنُّه أربعين سنة. ومكث فى قومه بعدها ثلاثة وعشرين عاماً، منها ثلاثة عشر فى مكة وعشرة فى المدينة، وخلال هذه المدة نزل القرآن الكريم، بسوره المكية والمدنية، على النبى، وفيه بيّن الله لمن آمن بمحمد سبل الهدى وطرق الرشاد فى الدنيا والآخرة. وقد تعرّض النبى خلال سنىّ الدعوة للعديد من الإساءات التى حاولت النيل من شخصه الكريم، ومن النماذج على ذلك ما ذكره القرآن الكريم فى الآية الكريمة «وقالوا يا أيها الذى نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون»، ومع ذلك لم يجرؤ أحد من كفار مكة والمدينة على النّيْل من القرآن الكريم نفسه. بل وكانوا يتمنون لو أُنزل هذا الكتاب على كبير من كبراء القريتين: مكة والمدينة، «وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»، رغم أن القرآن نفسه كان وحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم والشاهد على نبوته.
وسفهاء الغرب الذين يسيئون للنبى الآن لا يفعلون أكثر مما فعله أبوجهل وأمية بن خلف وغيرهم من صناديد قريش الذين رفضوا الإيمان بمحمد، رغم إدراكهم لصدق النص الذى جاء به وعظمته. والهدف فى الحالتين واحد، إنهم يريدون أن يصرفوا المسلمين عن النص القرآنى كى ينشغلوا بإساءاتهم الساذجة والجاهلة إلى النبى صلى الله عليه وسلم. فهناك رغبة لدى العديد من الكتاب والمثقفين فى الغرب لجعل المسلمين «محمديين» أكثر منهم «قرآنيين»، وإغراقهم فى الدفاع عمن يدافع عنه الله تعالى الذى قال «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»، فما بالنا بمن علّم البشرية المعنى الحقيقى للإيمان. فمفكرو الغرب يعلمون أن استغراق المسلمين فى هذا الاتجاه سوف يشغلهم عن القرآن.
لقد كاد المسلمون الأوائل يقعون فى هذا الشرك لحظة وفاة النبى، عندما تحدث بعضهم بأن محمداً لا يموت، أو أنه غاب وله عودة، حينئذ قالها أبوبكر مدوية: «من كان يعبدمحمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت»، فقد رفض أن يتحدث المسلمون كـ«محمديين»، وهو ما يريده الغرب الآن، حين يدفعنا إلى مسار التفكير الذى يفكّر به أهله كـ«عيسويين» و«موسويين». وليس أدل على ذلك من أن المفكرين الغربيين الذين يحاولون التشكيك فى القرآن الكريم ينتهى بهم الأمر إلى الإسلام (جارودى مثال). العاقل من لا يشغل نفسه كثيراً بإساءات الغرب للنبى، بل من ينشغل بالاقتداء بالنبى الذى كان قرآناً يمشى على الأرض. ومؤكد أننا بعيدون عن ذلك كل البعد، والدليل أننا نلعن الغرب -بسبب سبّه لنبينا- صباحاً، ثم نطلب منه المعونات والقروض مساءً!