مرت منذ أيام الذكرى التاسعة والتسعون على تتويج نضال الحركة الوطنية المصرية بإجبار دولة الاحتلال البريطانى، التى عززت مكانتها الدولية بانتصارها فى الحرب العالمية الأولى، على إلغاء الحماية البريطانية والاعتراف بالاستقلال الرسمى للدولة المصرية. ولم يشعر معظم المصريين، كما هى العادة، بهذا الحدث شديد الأهمية فى تاريخ الدولة المصرية. أكثر من هذا، لا تتذكر الأغلبية العظمى من المصريين تاريخ استقلال وطنهم العزيز مصر فى الخامس عشر من مارس عام 1922. كان إصدار إنجلترا تصريح 28 فبراير اعترافاً باستقلال الدولة المصرية، بالرغم من التحفظات الأربعة التى احتفظت بها الدولة التى احتلت مصر منذ العام 1882، وأجبرتها ثورة 1919 على الاعتراف باستقلال مصر وإلغاء الحماية التى فرضتها على مصر منذ عام 1914. كان إعلان الاستقلال تجسيداً لنضال طويل بدأ مع تحدى محمد على الدولة العثمانية وتكوين دولة مرهوبة الجانب، ضمت مصر والسودان والشام وشبه الجزيرة العربية وأجزاء من تركيا الحالية. وبالرغم من إجهاض مشروع محمد على وابنه إبراهيم، على يد الدول الكبرى آنذاك عام 1840، فقد تمتعت مصر بوضع خاص فى إطار تبعية اسمية للدولة العثمانية. وسعى الخديو إسماعيل، ابن إبراهيم وحفيد محمد على، إلى تعزيز المكانة المستقلة لمصر، لكن محاولته انتهت بعزله من منصب، ثم تكررت المحاولة مع عرابى ورفاقه لتنتهى بالاحتلال البريطانى عام 1882. ولم يتوقف المصريون عن النضال من أجل إنهاء الاحتلال، وأفنى مصطفى كامل عمره القصير دفاعاً عن حقوق المصريين، وخلفه محمد فريد فى زعامة الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل عام 1907. وانتهزت إنجلترا اندلاع الحرب العالمية الأولى لإعلان الحماية على مصر، وعندما انتهت الحرب، تسلَّم سعد زغلول ورفاقه راية الدفاع عن استقلال مصر، الأمر الذى تحقق بتصريح 28 فبراير 1922. ولم يتأخر السلطان أحمد فؤاد فى إعلان تأسيس المملكة المصرية دولة مستقلة ذات سيادة، فى الخامس عشر من مارس من نفس العام، فى كلمة وجهها إلى الشعب المصرى، واتخاذه لقب ملك مصر بدلاً من السلطان الذى كانت دولة الاحتلال قد اختارته لحاكم مصر بعد إعلانها الحماية وعزل الخديو عباس حلمى الثانى. وشرعت وزارة عبدالخالق ثروت فى استكمال أركان الدولة المستقلة. وفى العام التالى، صدر دستور 1923 تجسيداً للنظام السياسى فى الدولة المستقلة، ومؤسساً لنظام ملكى دستورى يمارس فيه الملك سلطاته من خلال الوزراء المسئولين أمام مجلس النواب المنتخب. وقد اضطلعت عوامل متعددة، لا مجال للخوض فيها، فى طمس جهود العديد من الرموز التاريخية المصرية والتى أسهمت إسهاماً فعالاً فى ترسيخ أركان الدولة المصرية وتشييد دعائم استقلالها، منذ محمد على وإبراهيم وخلفائهما من حكام الأسرة العلوية، وحتى سعد زغلول وعدلى يكن ومحمد محمود ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وإسماعيل صدقى والنقراشى وأحمد ماهر وغيرهم. وبينما تسعى العديد من الدول التى لا تاريخ لها إلى اصطناع تاريخ غير حقيقى، يتجاهل كثير من المصريين تاريخهم التليد، القديم والوسيط والحديث والمعاصر، والذى تحسدهم عليه معظم شعوب الأرض. ولا خلاف على أن دولة الاحتلال قد احتفظت لنفسها بحقوق أربعة، وبأن معاهدة 1936 قد أزالت بعضاً مما تضمنه تصريح 28 فبراير. ولا خلاف أيضاً على أن دولة الاحتلال قد أجبرت الملك فاروق على إقالة الوزارة وتكليف النحاس بتشكيل وزارة جديدة فى حادثة الرابع من فبراير عام 1942 الشهيرة، عندما أصبحت الأراضى المصرية مهددة من قبَل القوات الألمانية. ويعلم الجميع أن الجلاء التام لم يتحقق إلا فى العام 1956 بعد اتفاقية الجلاء الموقعة عام 1954. بيد أن ذلك لا يبرر ألا يعلم المصريون التاريخ الرسمى لاستقلال الدولة المصرية فى 15 مارس عام 1922، ولعل الأمر يتطلب الإعداد للاحتفال فى العام القادم بمرور مائة عام على استقلال مصر. وقد تكون الذكرى المئوية مناسبة لتسمية ذلك اليوم «عيد الاستقلال» أو «يوم الاستقلال»، والاحتفال به سنوياً، كى تعلم الأجيال الجديدة كم هو عظيم هذا الوطن الذى ينتمون إليه، وكم هى عريقة هذه الدولة التى يحملون جنسيتها.