عادة لا يحتاج الرجل الأعزب إلى أى نظام فى شقته، فقد اعتاد طوال سنوات عزوبيته التى زادت على 40 سنة، منذ رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، على أن يدخل الشقة ويلقى كل ما يحمل فى أى مكان، وفى المرات النادرة التى كان يقدم فيها على ترتيب الشقة، كان يفشل فى العثور على بعض أشيائه، لذلك يعود إلى الفوضى طائعاً مختاراً على اعتبار أن الفوضى هى التى تضمن له حرية أن يفعل ما يشاء كما تضمن له أن يبقى كل شىء فى مكانه وعلى هيئته. وباستثناء بعض مناطق القاهرة والأحياء القديمة التى بناها المستعمرون الأجانب، فإن نظرة واحدة إلى أى شارع أو حارة أو قرية مصرية، ستكون كافية لإدراك الحقيقة المرّة التى يمكن اختصارها فى جملة واحدة «مصر دولة تشبه شقة العازب»، حيث لا شىء هنا فى مكانه ولا شىء فى صورته النموذجية، وعلى ما يبدو فإن المواطن المصرى ونظامه الحاكم يؤمنان معاً بضرورة استمرار الوضع كما هو عليه، لأنه يضمن للحاكم سلطة سهلة دون عمل، ويضمن للمواطن الفوضى اللذيذة، ولم تكن ثورة 30 يونيو إلا للإطاحة بجماعة أرادت تحويل الشقة إلى وكر للإرهابيين، فالعازب قد يقبل الفوضى لكنه بالتأكيد يرفض أن يدخل شقته فيجد خالد مشعل وتميم بن حمد و«أردوغان» والملا عمر يلعبون بالقنابل فوق سريره. تقول النظرية المصرية الشهيرة «انسف حمامك القديم فوراً»، وهى النظرية نفسها التى يحتاجها النظام الحاكم لبناء دولة جديدة متحضرة، وتستوجب نسف جميع مؤسسات الدولة القائمة الموروثة منذ عهد أنور السادات، ملك الفوضى، والبدء من نقطة الصفر. لكن هذه النظرية للأسف لا تصلح مع الحالة المصرية، لأن النظام لا يريد أن يتعب نفسه، والمواطن أيضاً يرفع شعار «أعطنى الأمن.. أما لقمة العيش وشفطة الماء وزجاجة الدواء وتذكرة الأوتوبيس وتعليم الأولاد فأنا كفيل بها». ورثنا من عهد «السادات» البائد، جماعات الإرهاب وثقافة الفوضى والفهلوة والتحايل لكسب قوتنا، حتى وصلنا إلى دولة لا تقوى على قتل براغيث «التوك توك»، ولا على نقل الباعة الجائلين من قلب العاصمة، دولة ترعى الاقتصاد العشوائى حتى لا تضطر إلى مواجهة جيوش العاطلين، دولة تتفنن فى رص الشعب فى الطوابير، وتجيد ابتكار الكوبونات، هذا للخبز وذاك للوقود وذلك للتموين، دولة لا تستطيع بسط سيطرتها على مخالفى القوانين، لسبب بسيط وهو أن لدينا 85 مليوناً يخالفون القانون. إنه الاتفاق غير المعلن بين الشعب والنظام «أنت تحكم.. وأنا أعيش براحتى».
الخلاصة من ذلك: هل يجرؤ عبدالفتاح السيسى على نسف مؤسساته الحاكمة ويتحدى رغبة الشعب فى الفوضى، أم سيعيش بسياسة ترقيع الثوب المهلهل وترك شقة الأعزب على فوضاها؟