عندما تقسو علينا الأقدار والأيام والأحلام وربما الأحباب تؤلمنا قلوبنا ونفوسنا وأجسادنا ونصبح فريسة لمشاعر مختلطة ومتداخلة ومتناقضة وغريبة لا نعرف لها أصلاً أو تاريخاً أو بداية أو نهاية.
ومن شدة الآلام نبحث فى أوراق الأطباء والعرافين والبصارين (قارئى الأوراق والودع ورسومات القهوة) عن مخرج لنا، فلكل منا معتقداته وثقافته وأسلوب حياته إلا أنه فى نهاية الأمر تتوحد الآلام وإن اختلفت الأسباب وطرق تهدئتها وعلاجها.
وبعيداً عن الشعراء وقصائدهم وما كتبوا من أغان للقلوب وساكنيها وأطبائها وألمها من فراقهم وعذابها حتى فى وجودهم فقد أثبتت الأبحاث العلمية المتقدمة أن لتلك الكلمات التى نعبر بها عن مشاعرنا أو أحزاننا أصولاً طبية قديمة، ويقوم العلماء حتى الآن بتحديثها وتناولها فى أبحاثهم المتقدمة ورسائل الماجستير والدكتوراه التابعة للقلوب وأمراضها وأحدث طرق علاجها.
وفى قاموس المعانى للغة العربية تحدث علماء العربية وفسروا هذه العبارة التى نشعر به تفسيراً دقيقاً وأفردوا لنا جميع مشتقاتها واستعمالاتها (خلع القلوب)، فربما ندرك فداحة ما نفعل فى الأعزاء والأحباب.
فيقولون خلع، وهو الفعل الماضى ومنه تخالع ويتخالع فهو متخالع، وإذا تخالع الزوجان فقد اتفقا على الانفصال، ومنها جاءت (قضية الخلع)، أما إذا تخالع القوم فهذا يعنى أنهم نقضوا العهد الذى كان بينهم، وإذا قيل (خلع القاضى) فمعناه عُزل عن وظيفته، ويستخدم هذا الفعل أيضاً مع الجماد فيقال خلع الآلة أى فككها، وخلع الدابة أى أطلق سراحها وخلع المفصل أى حوله عن موضعه، وخلع الشجرة أى سقطت أوراقها. أما من انخلع قلبه فقد داخله الفزع وخاف وارتعب، وإذا انخلع من ماله فقد تجرد منه وفقده.
وإذا عدنا لأطباء القلب المتخصصين خاصة بعد ما سمعنا السير مجدى يعقوب أشهر وأرقى جراحى القلوب العالميين وأكثرهم إنسانية ودقة مشاعر يحذر من الموت المفاجئ بكسرة القلب من الحزن - فسنجد بين الأبحاث الجديدة ما يسمى (مرض القلب العصبى)، الذى يعانى صاحبه من ألم فى القلب من دون أى عرض عضوى، وهو من الأمراض المنتشرة، التى دائماً ما تسبب القلق.
ويندرج هذا الموضوع بين الأمراض النفسية، لأن سبب الإصابة به هو الحالة النفسية للمريض، لكن ما يتحكم به هو الجهاز العصبى أى يكون لا إرادياً.
ومن اللافت للنظر أن هذا المرض عرف قديماً بين الجيوش أثناء الحروب، وكان يطلق عليه اسم (قلب الجنود - قلب العسكرى)، لأن أكثر من كانوا يعانون منه هم جنود الحرب الذين تعرضوا لصدمات نفسية من مشاهد الموت والدمار، فمهدت الطريق لتلك الآلام إلا أن الأطباء يؤكدون أنه لا يمكننا اعتبار الشخص الذى يعانى منه مريضاً نفسياً.
ويؤكد الأطباء أن أعراض مرض القلب العصبى متماثلة تماماً وبشكل كبير مع الأعراض التى تلازم الأزمة القلبية وغيرها من مشكلات القلب العضوية، الأمر الذى يجعل من الصعب الحكم عليه قبل إجراء الفحوصات الطبية والتأكد من سلامتها.
وحتى الآن ما زال السبب الرئيسى والحقيقى المسبب لألم القلب العصبى مجهول الهوية، لكن الاعتقاد السائد بين الباحثين يعتبر أن الهرمونات التى يتم إفرازها فى حالات الانفعال والضغط تعمل على التأثير على عضلة القلب وعمل الجهاز العصبى.
فلنبتعد عن كل ما يؤلم وعمن يخلعون قلوبنا، ولنحسن اختيار من يدخلون حياتنا لنقى أنفسنا من ذلك الألم القديم، الذى لا يريد أن يتركنا وشأننا. متعكم الله بالصحة والعافية وسعادة القلب وفرحته.